بعد اسبوعين من انطلاق ثورة25 يناير كتبت مقالا بعنوان مماثل, وقتها كانت الأحداث متلاحقة وغامضة وكان التفكير والتساؤل عن طبيعة مايجري أمرا عاديا بل مطلوبا, فقد كان سيناريو نجاح نظام مبارك في قمع المتظاهرين والمعتصمين امرا ممكنا. كما كان من المحتمل نجاح النظام في تجديد نفسه بعد التخلص من بعض رموز الفساد كجمال مبارك واحمد عز وآخرين, كذلك كان من الوارد نجاح سيناريو الثورة. واليوم وبعد17 شهرا من الإطاحة بمبارك أعيد علي نفسي طرح السؤال والتفكير فيه, لان الإجابة عليها تساعد كثيرا في تحليل الموقف السياسي المأزوم في مصر, وبالتالي تستشرف المستقبل ومعرفة أي طريق ستسير فيه مصر في الشهور القادمة: طريق الثورة ام طريق إصلاح نظام مبارك؟ وقد يندهش البعض وربما يشعر بالصدمة من أن هناك من يشكك في ثورة يناير حيث صار مفهوم الثورة أيقونة يتداولها الإعلام بما في ذلك إعلام الفلول, لكن بعيدا عن الاتهامات أقول إن ماحدث منذ25 يناير وحتي اليوم ليس بثورة وانما نحن إزاء حالة ثورية لم تكتمل, بعبارة أخري نجحت انتفاضة25 يناير في الإطاحة برأس النظام ولم تنجح في التحول الي ثورة تمسك بالسلطة وتدير الدولة, وتمسك بسلطة التشريع لتحمي الثورة وتعمقها. مازلنا ورغم كل التضحيات وكسر حالة الخوف لم ننجز ثورتنا, ومازلنا أمام احتمال استمرار نظام مبارك بعد تغيير الوجوه والمسميات, واحتمال النجاح في استكمال الثورة وتحقيق أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وبين الاحتمالين هناك احتمال هيمنة الإخوان والسلفيين وتأسيس جمهورية إصلاحية ذات مرجعية إسلامية لكنها لن تحقق أهداف الثورة, لان القوي الإسلامية محافظة بطابعها, تمتلك رؤية أخلاقية مثالية للمجتمع تفتقر لآليات تحقيق العدل والتنمية, وتميل للنظام الرأسمالي الذي تلعب فيه الدولة دورا محدودا. الرؤية الإصلاحية للإخوان والسلفيين ليست هي الرؤية او المنهج الثوري المطلوب حتي تتحول25 يناير الي ثورة حقيقية, لان برنامج الإخوان والرئيس إصلاحي, وغامض وحافل بالوعود والأمنيات الطيبة, كما يفتقر الي وسائل وآليات التنفيذ والمتابعة, ولعل أداء برلمان مابعد الثورة ثم أداء الرئيس مرسي يكشف عما أقصد, ولااعرف من نصحه بوضع أولويات الخبز والنظافة والمرور والامن والطاقة في المائة يوم الاولي من حكمه, فالقضايا الخمس هي مظاهر لست مشاكل هيكلية اكبر هي: 1 ضعف الدولة وغياب القانون. 2 هيمنة رجال الاعمال الفلول علي مفاصل الدولة والأسواق, إضافة للإعلام. 3 فساد كثير من مؤسسات الدولة. 4 سوء تخصيص موارد الدولة وغياب العدالة الاجتماعية 5 تحقيق العدالة الاجتماعية 6 تباطؤ الاداء الاقتصادي. المنهج الثوري يفرض الاشتباك مع القضايا الست من دون إبطاء او تسويف, ولنأخذ مثلا منهج عسكر ثورة23 يوليو الذين لايعجبون البعض, ولايجب ان يكونوا قدوتنا لكننا لابد من التعرف علي تجربتهم وتقييمها بموضوعية ونزاهة, ففي خلال شهرين بعد23 يوليو اصدر هؤلاء الضباط الصغار قوانين بزيادة الضرائب والجمارك علي الأثرياء وأصدروا عفوا شاملا علي كل المتهمين في قضايا سياسية, ثم قانون الإصلاح الزراعي. بهذا المنهج الثوي نجح الضباط الاحرار في تحويل انقلاب يوليو الي ثورة والحصول علي تأييد جماهيري كاسح مكنهم من تأسيس شرعية جديدة فتحت الطريق أمام بناء دولة يوليو, والتي انحرفت بعد ذلك ووصلت الي حد الانهيار في زمن مبارك. الرؤية الكلية والمنهج الثوري هما ماينقص الرئيس مرسي وجماعة الإخوان, فالرجل لديه صلاحيات كثيرة لكنه لايستخدمها نتيجة ضغوط المجلس العسكري الذي يقاسمه السلطة ويمسك بالقوة الفعلية القاهرة علي الارض, لذلك تتأخر قراراته او تتعثر, وهو موقف لايعمل في صالح مرسي وجماعته كما يبدد كثيرا من فرص نجاح الثورة. من هنا اتصور ان الرئيس مرسي عليه ان يتمرد علي المنهج الاصلاحي وان يبادر بالانفتاح علي الشعب والقوي الثورية واتخاذ قرارات ذات طابع ثوري حقيقي, مع الإفصاح عن كل العقبات والمشكلات التي يثيرها الفلول ضده, حتي يتحمل كل طرف مسئوليته امام الشعب. كنت اتصور ايضا ان الرئيس مرسي سيكلف شخصية سياسية بتشكيل حكومة ائتلاف وطني ذات طابع سياسي وتستعين بالطبع بالتكنوقراط, لان الوزارة السياسية هي عنوان أي مرحلة ثورية او حتي اصلاحية حقيقية, لكن الرئيس فعل العكس تماما وجاء برئيس وزراء ووزراء اغلبهم من التكنوقراط, ومع كامل الاحترام والتقدير للتكنوقراط فقد كانوا احد اسباب ازمة مصر وفشلنا في حل كثير من المشاكل, لانهم في الغالب لايمتلكون الرؤية الشاملة والقدرة علي الفعل الثوري.