باتت فاطمة ليلتها بعد أن اطمأنت علي ابنائها وسألت زوجها ان كانت له حاجة وأوصته بابنائهما قائلة ضعهم في عينيك, لم تكن تدري انها ستفارق زوجها وابناءها إلي الأبد. استيقظ جميع أفراد الأسرة في الصباح علي صراخ واستغاثات الجيران في الشارع الضيق الذي لا يزيد اتساعه علي متر واحد وكلمتي حريق والحقونا علي لسان الجميع.. هبت فاطمة من سباتها وعيناها حائرتان علي أولادها وزوجها وجذبت لمياء وإسلام تحت ابطيها وصرخت في زوجها عليك بجلال وأوصت ابنتها الكبيرة بان تظل مع الصغار لحمايتهم وهرع الزوجان معا لاخماد النيران التي اندلعت بأحد مخازن الوقود وطالت منزلها والعديد من المنازل المجاورة وباتت علي وشك أن تلتهم الشارع بأسره. هرولت فاطمة يمينا ويسارا مرة تحمل في يدها غطاء صوف لتنقذ به عجوزا ومرة أخري تلقي برماد الكانون ومخلفات البناء علي النيران تخشي علي الجميع فالكل احباؤها وعشيرتها فضيق الحياة والمساحة بهذا الشارع جعل من قاطنيه أسرة واحدة ولم تنتظر فاطمة قدوم المطافيء, ورغم شدة النيران قاومت لهيبها وشدة حرارتها خشية علي ابنائها الذين باتوا علي مقربة من الخطر والنيران المتصاعدة التي ضاقت المطافيء ذرعا باطفائها بسبب ضيق الشارع وشدة النيران. وما ان هدأت النيران وبدأ الأهالي يسيطرون عليها بالتراب والبودرة والبطاطين وكل ما يملكون, إلا وقامت فاطمة بحمل بطانية والدخول بها إلي بيت التهمته النار للبحث عن مستغيث أو صغير إلي أن اصطدمت بزوجها الذي طالته بعض الحروق وهبت وجيرانها بحمله لسيارة الإسعاف ورجعت إلي منزلها الذي أصبح عبارة عن اطلال لتجلس أسفل سلالمه لتعطي لنفسها فرصة لالتقاط الأنفاس ولعينيها لذرف الدمع الذي تساقط علي بقايا الدخان ليكتم تصاعده حزنا منها علي شقا عمرها وحال زوجها. ولم يجل ببال أحد أن الجمل الذي قاوم النيران يحمل بين طيات ملابسه اصابات خطيرة تحملتها فاطمة ولم تظهرها من شدة ايثارها وتحاملها علي نفسها لصالح الآخرين. وعندما حاولت النهوض من مجلسها لتلملم شتات حالها وتطمئن علي صغارها سقطت فاطمة مكانها لتلقي مصرعها بعد أن سقط فوقها السلم المتهالك علي اثر الحريق لتصعد روحها إلي بارئها ويعود زوجها من المستشفي بعد تلقيه الإسعافات ليسمع صراخ أطفاله الثلاثة ويبحث عن زوجته فلم يجدها. بحث عنها وجيرانه طيلة يوم بأكملها ولم يتخيل أن تكون فاطمة لقيت مصرعها أسفل السلالم التي حملت أحلامهم وأيامهم الجميلة.. وفجأة وجد جلال ابنه الأكبر يشير إلي آخر مكان كانت تجلس فيه والدته أسفل السلم وبالفعل وجدها أسفله مستسلمة لأمر ربها. امتلأت قرية العطف التابعة لمركز الواسطي ببني سويف بالحزن والأسي علي شهيدتهم بعد ان شيعوا جثمانها الطاهر إلي مثواه الأخير لتصبح ثاني شهيدة لأزمة الوقود بذات المركز وتباري الجميع في ذكر محاسن سيرتها ومجاملاتها الرقيقة لأهلها وجيرانها. يقول عيد علي حسن والد الشهيدة لقد أتت النيران علي قلبي قبل البيوت يعوض علي ربنا بعد أن فقدت ابنتي وأضاف: استمر البحث عنها8 ساعات متواصلة وفوجئنا بجثتها أسفل السلم بعد أن تركت3 من الأبناء وهم جلال10 سنوات ولمياء7 سنوات وإسلام5 سنوات في ذهول علي فقدها فكانت بالنسبة لهم الماء والهواء الذي يتنفسونه. ويقول رجب حسن علي ابن عم الزوج قمنا بالقاء السيارة المشتعلة والمحملة بالوقود بالمصرف المواجه للشارع خارج القرية بعد أن قفز السائق منها لننقذ الشارع أجمع من انفجار محقق وهي الفكرة التي خطرت ببال فاطمة وتقول الحاجة أم سعيد احدي جارات الشهيدة وهي في الستين من عمرها: فاطمة زوجة فوزي كانت ترعي زوجها وأولادها وتحملت معه تقلبات الحياة والفقر, وكانت بمئة ذراع ترعي بيتها ووالدتها وصغارها وتعمل بجوار زوجها ولا تتواني في خدمة سكان الشارع الذي نسكنه منذ سنين. وأضافت: بعد أن شاركت فاطمة في عمليات الاطفاء قام الأهالي بنقل فوزي زوجها إلي المستشفي بعد أن أصيب في الحريق بجروح وحروق, وتصورنا أنها بسبب الصدمة غادرت المنزل وذهبت إلي أهلها حزنا علي اصابة زوجها إلا أننا بحثنا عنها8 ساعات متواصلة وفوجئنا بها في ظهر اليوم التالي ملقاة أسفل درجات السلم وتوفيت متأثرة بجراحها في المنزل بعد أن التهم الحريق أثاث المنزل وجهاز ابنتها العروس التي كان من المقرر أن تتزوج قريبا والذي احترقت محتوياته ومن بينها التنجيد وكانت العناية الالهية قد انقذت قرية العطف التابعة لمركز الواسطي ببني سويف من كارثة محققة اثر اشتعال النيران في سيارة وقود أسفرت عن احتراق4 منازل ومصرع وإصابة4 أشخاص وتم نقل الجثث والمصابين لمستشفي الواسطي المركزي واخطرت النيابة التي باشرت التحقيقات. وكان اللواء عطية مزروع مدير أمن بني سويف قد تلقي اخطارا من اللواء إبراهيم عانوس مدير إدارة الحماية المدنية, بنشوب حريق في عدة منازل بقرية العطف بسبب اشتعال سيارة نقل وقود, فأمر بسرعة انتقال قوات الحماية المدنية للسيطرة علي النيران وسرعة التحريات حول الواقعة, انتقل العقيد عصام المنصوري, رئيس قسم مكافحة الحريق, وتمكنت5 سيارات اطفاء من السيطرة علي الحريق قبل امتداده إلي المنازل المنجاورة واجراء عمليات التبريد لضمان عدم اشتعال النيران مرة أخري. وتبين من تحريات المقدم محمد البرنس رئيس مباحث الواسطي باشراف اللواء رضا طبلية مدير البحث الجنائي أن سبب الحريق قيام فوزي35 سنة عامل باستخدام منزله لتخزين البنزين والسولار لبيعهما في السوق السوداء, وأثناء قيام سيارة نصف نقل تحمل فنطاسا كبيرا لتخزين ونقل الوقود بتفريغ حمولتها في تنك بالمنزل اصطدمت السيارة بأحد أعمدة الإضاءة فاشتعلت النيران بالسيارة وامتدت إلي المنزل بالإضافة إلي3 منازل مجاورة يمتلكها عيد علي حسن25 سنة عامل ومحمد عيد32 سنة عامل, حيث التهمت النيران محتويات تلك المنازل ومصرع فاطمة اثر سقوط سلم منزلها فوق رأسها بعد اخماد الحريق واصابة كل من صاحب المخزن ونجله وقائد السيارة, كما أكدت التحريات قيام قائد السيارة المحملة بالوقود المشتعل بالفرار بها مشتعلة والقائها في أحد المصارف خارج القرية بعد القفز منها.