كانت ملامحه تبعث علي التعاطف الشديد فيداه كانتا ترتعشان حينما مدهما ليصافحنا وعيناه تحملان الكثير والكثير من الكلام الذي بدأ لسانه ينطق به بمرارة عندما بادرنا قائلا: سرقوا ابن اخويا بخمسة جنيهات. كانت عبارته التي خرجت كلماتها متلثمة بمثابة الرعد الذي صم آذان الحاضرين لينتبه الجميع له لمعرفة من هو الذي يسرق إنسانا بخمسة جنيهات وبعد أن هدأ وهو يحتسي كوبا مثلجا من عصير الليمون بدأت طلاسم كلماته في الوضح رويدا رويدا بعد أن عاود قائلا: البداية كانت حينما دخلت زوجة أخي حنان ربة المنزل البسيطة إلي مستشفي طهطا العام حاملة طفلها عمر, شهرين وبعد أن هرولت لحجز تذكرة علاج له وبعرضه علي الطبيب أمر بحجزه بقسم الأطفال بالمستشفي بعد أن تبين إصابته بنزلة معوية حادة جعلته لا يكف عن الصراخ ليلا وبالكاد ينال قسطا من النوم المتقطع نهارا, وكانت والدة الطفل المرافقة الوحيدة له من الأسرة التي تتكون من3 اولاد وبنتين والأب مصطفي الذي يعمل بمصنع الغزل والنسيج بسوهاج ورغم الحاح الأب علي إبقاء إحدي بناته بصحبة زوجته بقسم الأطفال بالمستشفي لمساعدة والدتها في رعاية طفله المريض إلا أن قلوب العاملين بالمستشفي لا تستثني أحدا من البقاء بالقسم سوي شخص واحد يكون مرافقا للمريض الذي يتبعه ولذلك ظلت الأم ساهرة لم تتذوق طعما للنوم لمدة ثلاث ليال متتالية. ورغم التشديد في خروج ودخول الزوار بقسم الأطفال نظرا لوجود عدد كبير من النساء به إلا أن سيدة منتقبة دخلت المستشفي بحجة انتظارها لاحتجاز ابن شقيقتها داخل قسم الأطفال بعد اجراء اشعة له عند أحد الأطباء في عيادة خارجية, وتمكنت من الدخول إلي قسم الأطفال بالمستشفي بعد قطع تذكرة دخول عقب تعريف نفسها لحارس البوابة في المستشفي باسم مستعار وبدوره لم يهتم الحارس بمراجعة بطاقة هويتها للتأكد من شخصيتها وكأن القدر قد تعمد إغفال الحارس للتعليمات المشددة لكونها إمرأة كباقي المرافقات في قسم الأطفال. كانت حركة السيدة المنتقبة وأسلوبها يثيران الشكوك داخل المستشفي ولكنها بخفة حركاتها وكلامها المعسول في التودد إلي النساء استطاعت أن تزيل هذه الشكوك بأن قامت إلي الحمام قائلة: هروح الحمام أتوضي علشان أصلي حد منكم يابنات عايزة حاجة؟ قالت عبارتها وجاء الرد سريعا شكرا. وبسرعة البرق حضرت لتتعرف علي والدة الطفل الضحية وأقامت صداقة معها وتبادلتا الحديث طوال اليوم حتي أوحت لباقي السيدات في القسم أنها قريبة والدة الطفل عمر وأنها أتت لمساعدتها في رعايته وكثيرا ما حملت الطفل بحجة مساعدة الأم التي شكرتها علي معروفها الذي لن تنساه لها أبدا, وبحلول الليل إستأذنت الأم من حولها في أن تغفو قليلا, حيث كانت السيدة المنتقبة تترقب اللحظة الحاسمة وها هي قد أتت. كانت الدقائق تمر بطيئة جدا علي السيدة التي لم ترفع عينيها من وراء النقاب عن فريستها حتي ساعة متأخرة من الليل حين يأتي أحد الحراس لكي يمر علي العنبر ويخرج الزائرين بنفسه لإنتهاء وقت الزيارة وعندما وقعت عيناه عليها أمرها بالخروج وبعد أن خرجت معه أعطته5 جنيهات سرا قائلة: خد دول وحياة ولادك وسيبني أبات الليلة دي هنا, ورضخ الرجل ودس الورقة المالية في جيبه قائلا: أوعي تخرجي بره الأوضة لحد يشوفك متوديناش في داهية وتركها وانصرف, ابتسمت السيدة إبتسامة باردة وعادت إلي التفكير في مخططها الشيطاني وبعد تأكدها من نوم جميع السيدات قامت بخطف الطفل والهروب به من البوابة الرئيسية دون أن يعترض طريقها أحد, ولم لا والكل يعلم انها مرافقة لأحد الأطفال بالمستشفي وتدخل وتخرج أمامهم دون أن يسألها أحد. وفي الصباح الباكر استيقظ قسم الأطفال بأسره علي صرخات الأم ونحيبها الهستيري الذي فشلت كل محاولات النساء في إيقافه وفي دقائق حضرت قيادات المستشفي وقاموا بإبلاغ شرطة النجدة التي أخطرت العميد عاصم حمزة مدير المباحث الجنائية الذي حضر علي الفور وبدأ يسأل أفراد المستشفي وأولهم المدير الذي برر حدوث الواقعة في محضر التحقيقات بنقص العمالة في المستشفي سواء في التمريض أو الأمن. تحرر المحضر اللازم وتولت نيابة مركز طهطا التحقيقات التي لم تسفر عن شيء حتي الآن رغم إرسال الأب لأكثر من استغاثة عاجلة للمسئولين بداية من رئيس الجمهورية والنائب العام ووزير الداخلية حتي المستشفيات وعيادات الأطفال الخاصة والتي يمكن ان تتعرف علي الطفل الذي يؤكد والده مصطفي انه يحمل علامة مميزة وهي تجويف غائر بجبهته فوق حاجبه وهو عيب خلقي سيظل معه حتي مماته. ورغم محاولات الأب المستميتة والذي ذكرها لنا في إتصال هاتفي إلا أنها لم تسفر عن شيء, حيث انه أرسل شكاوي إلي المحافظة ومدير الأمن ووزارة الداخلية والتي بدورها أرسلت إخطارا إلي قسم شرطة أول طهطا والذي استدعي الأب وأخبره أحد رجال المباحث بأن الأمل في إيجاد ابنه ضعيف وأنه في حاجة إلي معجزة إلهية لايجاده ورغم أن الله قد حبا الأسرة أبناء غير الطفل إلا أن العم عمر والأب مصطفي والأم المكلومة حنان لا يدخرون جهدا في البحث عن الطفل الذي اختطفته المنتقبة.