مع دخول مصر الثورة مرحلة جديدة في تاريخها الحديث باختيار أول رئيس مصري منتخب كنتاج لعملية تحول ديمقراطي طويلة الأمد, يلزم أن نتوقف أمام بعض الممارسات التي تشكل ثقافة ادارية سلبية علي المستوي الكلي أي ادارة الدولة وعلي المستوي الجزئي أي ادارة المؤسسات, ومن هذه الممارسات أن تقييم أداء الأفراد والمؤسسات يقاس بمدي ولائهم للسلطات الحاكمة, ولايقاس بجودة أداء الأفراد والمؤسسات, وذلك نتيجة عدة أسباب من بينها(1) سيادة ثقافة أهل الثقة أولي من أهل الكفاءة والخبرة, ومركزية الادارة القائمة علي الرجل الأوحد أو كما يعرفonemanshow وهي صيغة متأصلة في الادارة المصرية منذ القدم نتيجة غياب الديمقراطية المؤسسية. (2) سيادة ثقافة الولاء لأشخاص وليس لسياسات عمل. (3) غياب سياسة لاعداد الصف الثاني من القيادات والكوارد الشابة نتيجة هيمنة القيادات الحالية وقهر القيادات الواعدة من الصفين الثاني والثالث (4) عدم التوازان الإداري الذي يحدث فجوة الاستمرارية ويتمثل في الثقافة التنظيمية السائدة في المؤسسات المصرية المتعلقة بالقيم وأنماط السلوك والعادات والمعتقدات والممارسات الإدارية التي تشكل مناخا مؤسسيا يكرس حالة غياب الاستمرارية ويكرس ثقافة التسليم بالأمر الواقع وقبول هذا الوضع كأمر مسلم به. (5) غياب المساءلة والشفافية فعادة لا تتم مراجعة تصرفات المسئولين والمديرين وتحميلهم تبعات تلك التصرفات بما يحولهم لمراكز قوي تشيع الفساد والمحسوبية. وتفرز هذه الأسباب بعض الآثار السلبية التي تتمثل في: انتشار قيم وممارسات غير إيجابية قائمة علي النفاق الإداري والمحسوبية ثم السكوت عن الأداء السييء ومكافأة المنافقين, وخلق شبكة من اصحاب المصالح والمنتفعين والمتملقين بما يحجب الكفاءات, ضعف الميل للابتكار والتجديد نتيجة الحفاظ علي الامر الواقع الذي يحقق مصالح اصحاب الولاء للسلطة, وكذلك تدني مستوي الأداء وانخفاض الروح المعنوية للعاملين نتيجة القهر والتسلط وتكوين مستنقعات راكدة, وأخيرا ظهور أجيال من العاملين والمديرين الذين يرسخ في أذهانهم أن هذا الوضع هو المثالي وما يجب أن يكون ويكونون عقيدة إدارية راسخة تنعكس علي ممارساتهم الإدارية, وتتحول المؤسسات الي كيانات بيروقراطية تقوم علي الأداء التلقائي ويتحول الموظفون إلي مجموعة من المنفذين والمسبحين بحمد من بيده السلطة وعبدة المأمور في ادارات ومنظمات ضخمة ومترهلة ولا تتسم بالكفاءة وتضيع الرؤية والغايات في زحام اللوائح والنماذج والموافقات والتوقيعات والأختام والدرجات والترقيات, كما حدث في ادارة عموم الزير للمبدع الدكتور حسين مؤنس حيث كان هناك والي امر بوضع زير في منطقة حتي يشرب منه الناس وعين له عاملا يقوم علي نظافته وملأه, ولكن بتعليمات الوزير تحول الزير الي مرفق عام به ادارات وموظفون ومديرون ورؤساء أقلام ومخازن, وفي يوم تفقد الوالي المنطقة ولم يجد الزير ولا نقطة مياه في السبيل الذي امر به لانشغال الناس في دوامة من التفاصيل التي قامت علي انشاء كيانات ادارية تشكل غولا بيروقراطيا وتاهت في أضابيره ودهاليزه الأهداف. وقد آن الآوان في مصر الجديدة أن نكسر هذه الحلقة الخبيثة القائمة وإحلال ممارسات إيجابية قائمة علي ثقافة جودة الأداء بدلا من جودة الولاء, ويتطلب ذلك من الحكومة الحديدة أن تعيد هيكلة الجهاز الإداري للدولة مركزيا ومحليا من خلال تبني برنامج شامل للاصلاح الاداري الذي يقضي علي ثقافة الموظفين الذين يداهنون الرؤساء والمديرين ويظهرون لهم الولاء المهين باظهار الذلة والمسكنة وأن أحلاهم أوامر, ثم يتعملقون علي المواطنين وهم الأولي بالرعاية, وأن الموظف ما هو الا خادم عامPublicServant, وأن تحل معايير الكفاءة والجدارة محل معايير الولاء لأولي الأمر, والزام كل مؤسسة بوضع خطة طويلة الأجل لا تتغير بتغير الرؤساء والقيادات حتي تكون هناك استمرارية وأقترح في هذا الصدد الاستفادة من الخبرة البريطانية في تعيين وكيل وزارة دائم لكل وزارة ويكون تابعا لمجلس الشعب حتي يضمن استمرارية الخطط والبرامج بغض النظر عن شخص الوزير ونحقق مبدأ الولاء لسياسات ونظم عمل وليس لأشخاص حتي ينتظم دولاب العمل بالوزارات والأجهزة, وعلي غرار ذلك يجب وضع خطة ذات توجهات استراتيجية للدولة لاتتغير بتغير الرؤساء كما هو حادث في كثير من الديمقراطيات المستقرة مثل الولاياتالمتحدة أو بريطانيا او اسرائيل, حيث الغايات محل اتفاق عام من كل الاحزاب والتيارات والقوي السياسية وإنما يكون الاختلاف في اساليب وآليات تحقيق هذه الغايات.