عبر سلسلة من المقالات عن الإدارة المصرية ومشكلاتها خلال الفترة الماضية وبعد تشخيص واقع الإدارة المصرية أود أن نقدم نظرة مستقبلية تقوم علي منظور مستحدث يعمل علي النهوض بالإدارة المصرية من خلال تبني ثقافة إدارية معاصرة. تتوافق مع روح الثورة ومتطلبات التغيير للعبور بالوطن إلي مرحلة تمكين الديمقراطية الإدارية بدلا من جمود الدكتاتورية ومستنقعات البيروقراطية. ان الحضارة المصرية القديمة كغيرها من الحضارات الأخري لم تكن لتنشأ بدون إدارة وهناك أدلة تاريخية تثبت أن قدماء المصريين قد عرفوا وطبقوا بعض الأفكار والممارسات الإدارية. ومن المتابعة الموضوعية لحقبة الثلاثين عاما الماضية, يمكننا أن نقر بأن هناك عوامل كثيرة تفسر انخفاض اداء الدولة المصرية تأسيسا علي نصيب الفرد من الدخل القومي, وانخفاض حصيلة الصادرات, وتدني مؤشرات التنمية البشرية, وانخفاض القدرة التنافسية للاقتصاد المصري, وغياب الشفافية وانتشار الفساد, وكذلك النظرة للموارد البشرية المصرية علي أنها أزمة وليست ثروة, وذلك نتيجة تفاعل عديد من الأسباب, ولعل من أهمها سوء الإدارة علي المستويين العام والمستوي المؤسسي. وفي هذه السلسلة من المقالات نقدم رؤية موضوعية موثقة حول واقع الإدارة المصرية التي قامت علي ثقافة سلبية قائمة علي القهر والتسلط والولاء لأشخاص وليس لسياسات وأهل الثقة, والتملق والنفاق الإداري والتزاوج بين السلطة والمال, والمستنقعات الراكدة من مياه العفن الإداري والأخذ بالمسلمات وفرض أمر واقع بحجة الاستقرار, وقتل الابتكار, ويعتمد منهجنا في هذه السلسلة علي رصد مشكلات الإدارة المصرية, من خلال منظور علمي يقوم علي تشخيص المشكلة وتحديد مظاهرها, ثم الكشف عن أسبابها, وتقديم حلول لبدائل عصرية, وقد أمكن تحديد عشرين مشكلة إدارية تتوزع بين إدارة الدولة( المستوي الكليMacroLevel) وإدارة المؤسسات,( المستوي الجزئي أوMicroLevel). غياب الصف الثاني وقهر القيادات الشابة, وغياب الاستمرارية, والتعميم والأخذ بالنماذج الشمولية, وغياب آلية موضوعية لاختيار القيادات, والإدارة التقليدية لشئون الموظفين, والتدريب العشوائي وغياب الجدارات, والمركزية الإدارية, والرسمية الشديدة وغياب التمكين, والناس كأزمة وليسو كثروة, والتنظيم غاية وليس وسيلة. كما تتضمن هذه المشكلات غياب الرقابة الذاتية والالتزام الداخلي, وضعف نظم التحفيز وتدني فعاليتها, وغياب الثقة بين العاملين والإدارة, وسيادة ثقافة الأجير وليس الملكية المعنوية, وقصور في المسئولية الاجتماعية, وعلبة الممارسات تجارية لا أخلاقية من قبل القطاع الخاص, وغياب الابتكار الإداري والأخذ بالمسلمات, وسوء إدارة المواهب وضعف الاحتفاظ برأس المال الفكري, وسيادة ثقافة التسليم بدلا من ثقافة التقويم, والميل إلي خلق كيانات مركزية وضعف التنسيق بين الوحدات والوزارات. وسوف أبدأ في عرض كل من هذه المشكلات, من خلال المنهجية العلمية التي أشرت إليها آنفا, وبعد المعالجة الموضوعية لكل من هذه المشكلات يمكن أن أقدم للحكومة المصرية إطارا لخطة استراتيجية متكاملة, تحقق عند تنفيذها معالجة لهذه المعوقات وأن تكون نقطة انطلاق لمستقبل أفضل يليق بهذا البلد الكريم وهذا الشعب العظيم الذي هو أعز ما نملك من ثروات والذي فجر أحدث وأنبل الثورات.