أود في البداية أن أشكر السادة القراء لحسن استقبالهم هذه السلسلة من المقالات التي تبحث في واقع الإدارة المصرية ومشكلاتها, ونعرض اليوم لمشكلة ارتبطت بالإدارة المصرية وهي الرسمية الشديدة وغياب التمكين. ونقصد بالرسميةFormality مدي اعتماد الإدارة علي قواعد عمل كتوبة لصنع السياسات واتخاذ القرارات, وتقاس درجة الرسمية بعدد قواعد العمل هذه في صورة قوانين ولوائح ومنشورات وقرارات رئاسية ووزارية وتعميميات وتوجيهات, بداية علينا أن نقرر بأنه يصعب إدارة المؤسسة العصرية بدون قواعد عمل مكتوبة, ولكن تكمن مشكلة الإدارة المصرية في الاعتماد علي عدد كبير من قواعد العمل المكتوبة والتي تتخذ أشكالا مختلفة كما أوضحنا من قبل, أي أن هناك درجة رسمية عالية في المؤسسات المصرية عموما, وفي المؤسسات الحكومية بشكل خاص. وتقترن درجة الرسمية العالية بسيادة الممارسات القهرية وتحويل العاملين لمجرد منفذين وذلك في غياب ثقافة التمكين الإداري التي تعني إعطاء العاملين الصلاحيات والمسئوليات ومنحهم الحرية لأداء العمل بطريقتهم دون تدخل مباشر من الإدارة. وتفرز درجة الرسمية العالية عدة آثار سلبية منها: البطء في اتخاذ القرارات وإنجاز الأعمال وتعقد الاتصالات والثقة في القواعد والإجراءات وعدم الثقة بالناس وزيادة التكاليف,وكثرة الأخطاء بالاضافة إلي علاقات إنسانية غير جيدة, ولعل أخطر هذه الأثار السلبية للرسمية العالية مايتعلق بتحجيم القدرات الابداعية للعاملين وتضييق مساحات المبادرات التطويرية, وذلك لأنه في ظل الرسمية الشديدة يتحول العاملون إلي مجرد أدوات تنفيذية كما هو وارد بقواعد العمل المكتوبة من خلال ثقافة عمل آلية تقوم علي افعل.....لاتفعل ويصبح العاملون كالنسر المحبوس في قفص حديدي, وصباح كل يوم يقول له صاحبه: هيا انطلق وحلق عاليا, ولسان حال النسر يقول كيف لي وأنا حبيس هذا القفص أن أطير وأحلق عاليا, وهذا الموقف الرمزي يحاكي مايحدث في الحياة العملية عندما يطالب المديرون والرؤساء موظفيهم بزيادة الانتاج وتحسين الجودة وهم مكبلون بعشرات بل مئات من قواعد العمل المكتوبة. ويمكن رصد مجموعة من الأسباب التي أدت الي ظهور وتكريس مشكلة الرسمية العالية في الإدارة المصرية نذكر منها: 1 الخوف من تحمل المسئولية وتمريرها لاخرين 2 التركيز علي الاتصالات المكتوبة وغياب ثقافة الالتزام بالكلمة(WordofMouth) 3 الاعتماد علي التنظيم التقليدي الهرمي البيروقراطي الذي لايشجع الاتصالات غير المكتوبة4 غياب أسلوب فرق العمل الممكنة والاعتماد علي هياكل وأطر مؤسسية ترسخ الرسمية العالية 5 وجود عديد من الأجهزة المركزية والمجالس العليا والكيانات الفوقية التي تفرز كما هائلا من اللوائح والنظم والقرارات والتوجيهات علي المؤسسات والوحدات بموجب وصاية مركزية وهيمنة سلطوية. 6 سيادة ثقافة التسليم بالأمر الواقع وأخذ الأشياء كمسلمات, فهناك أجيال من الموظفين يتوارثون قواعد عمل ووثائق ومستندات ونماذج بالية, ومع ذلك يستمر العمل بها بطريقة آلية وكأنها أصنام إدارية مقدسة لاتطالها برامج التطوير ومحاولات الإصلاح. 7 إغفال مؤسسات ومراكز التنمية الإدارية تقديم برامج تدريبية عن مشكلة الرسمية الإدارية وتمكين العاملين 8 سيادة عدم الثقة بين الإدارة والعاملين,نتيجة ممارسات سلبية واساليب استبدادية, وتكوين الثقة يشبه ملء إناء بالماء بوضع قطرات ونقاط, وقد يفرغ الاناء وينقلب علي عقبيه بتصرف سلبي من الإدارة. وختاما نقدم رؤية لعلاج الرسمية العالية في الإدارة المصرية أو التخفيف من حدتها تقوم علي مراجعة قواعد العمل المكتوبة والتخلص من القواعد غير الضرورية, وتقليص هيمنة الأجهزة المركزية والمجالس الفوقية ونشر ثقافة التمكين وغرسها في الأجيال الصاعدة واقترح إدخالها كمقرر دراسي مع إلزام مراكز التدريب والتنمية علي تقديم برامج عن الحد من الرسمية وتشجيع فكر تمكين العاملين, كما فعل رئيس شركة عالمية عندما مزق مجلدين يحتويان علي قواعد العمل بالشركة أمام حشد من مديري الشركة وقال لهم لديكم قاعدة واحدة وهي..تصرف في حدود مصلحة المؤسسة. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان [email protected]