توقيع اتفاقيات وتفقد مشروعات وتوسعات جامعية.. الحصاد الأسبوعي لوزارة التعليم العالي    المتحف المصرى بالتحرير يحتفل بمرور 123 عاما على افتتاحه    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    انطلاق الأسبوع التدريبي ال 15 بقطاع التدريب وبمركز سقارة غدًا    السيسى يوجه بتوفير حوافز و تيسيرات لمستثمرى قطاعات البترول والغاز والتعدين    قناة السويس تشهد عبور 38 سفينة بحمولات 1.7 مليون طن    تصعيد قاسٍ في أوكرانيا... مسيّرات وصواريخ "كينجال" ومعارك برّية متواصلة    عاجل- الأمم المتحدة: 16 ألفًا و500 مريض بحاجة لرعاية طبية عاجلة خارج قطاع غزة    ضبط 15 شخصًا لقيامهم باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    إنقاذ 3 مصريين فى منطقة محظورة بين تركيا واليونان    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    أحمد مالك: لم أعد متعطشا للسينما العالمية    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    قافلة تنموية شاملة من جامعة القاهرة لقرية أم خنان بالحوامدية    مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة الوطن» بالدقهلية لدعم مرشحه في النواب 2025 | فيديو    محافظ أسوان يتابع الحالة الصحية لمصابى حادث إنقلاب أتوبيس الطلاب    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    كاف يخطر بيراميدز بموعد وحكام مباراة ريفرز النيجيري فى دوري الأبطال    المدير التنفيذي للهيئة: التأمين الصحي الشامل يغطي أكثر من 5 ملايين مواطن    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    الصحة العالمية: 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي    بتكوين تمحو معظم مكاسب 2025 وتهبط دون 95 ألف دولار    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    انخفاض ملحوظ فى أسعار الطماطم بأسواق الأقصر اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    الأعلى للثقافة: اعتماد الحجز الإلكتروني الحصري للمتحف المصري الكبير بدءًا من 1 ديسمبر    «التخطيط» تطبق التصويت الإلكتروني في انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس    توقيع إتفاق تعاون بين «مينا فارم» و«باير» لتوطين صناعة الدواء    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    تجديد الاعتماد للمركز الدولي للتدريب بتمريض أسيوط من الجمعية الأمريكية للقلب (AHA)    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    أطلقت عليه وابل رصاص وضربته بظهر الطبنجة (فيديو)    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    درجات الحرارة على المدن والعواصم بمحافظات الجمهورية اليوم السبت    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    في غياب الدوليين.. الأهلي يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة شبيبة القبائل    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة
نصف تذكرة

أسرعت الخطي علي رصيف المحطة تتابع بنظرات قلقة ابنها الذي اندس بجسده الرفيع وسط الزحام أمام باب القطار‏,‏ دلفت خلفه في عربة الدرجة الثالثة ارتسمت ابتسامة باهتة علي وجهها عندما رأته واقفا بجوار النافذة يشير اليها كي تلحق المقعد الذي حجزه‏.
شبت علي قدميها وهي تضع علي الرف كيسا تفوح منه رائحة فطير‏,‏ جلست بجواره وهي تحكم ثوبها الطويل فوق ساقيها وتعدل الطرحة علي رأسها وحول عنقها‏,‏ بدأ هواء منتصف الليل يتحرك مع تحرك القطار‏,‏ مرت أمامها وجوه المودعين والباعة والشيالين في ضوء المحطة الشاحب كأشباح هاربة تراءت أمامها بنايات المساكن الشعبية من خلال النافذة تتحرك عكس اتجاه القطار‏.‏
ألقت نظرة الي عوض خالطتها ابتسامة إعجاب وهي تراه مرتديا البلوفر المخطط والبنطلون الطويل والحذاء اللامع بسطت يدها تمسح رأسه وجبينه‏,‏ بادلها ابنها النظرات بعينين تقاومان النعاس سوت ياقة قميصه وهي ترنو اليه بحنان فهو لم يفارقها طوال الايام الماضية لحظة واحدة كانت تصطحبه معها الي وسط المدينة يسلكان الشوارع والميادين وسط زحام البشر والسيارات ينتظران عند الاشارات يعبران شارع الجلاء يدخلان مجمع المحاكم يصعدان الدرج الي ادارة المعتقلين كاد يطير من الفرح عندما تسلمت تصريح زيارة أبيه الح عليها كي يحتفظ به في جيبه‏.‏
مرت أمام نظراتها الساهمة من خلال نافذة القطار مساحات من العتمة أطبقت علي الحقول التي تناثرت فيها أضواء خافتة حزينة رتيبة جلبت النعاس الي عينيها لم تلبث قليلا حتي شعرت بموجة من الحركة والنشاط بين الركاب عند مرور مفتش القطار فوجئت به أمامها قصير القامة تبدو عيناه صغيرتين من خلف نظارته السميكة‏,‏ مدت يدها اليه بالتذكرة فوجئت به يشير الي عوض سائلا‏:‏ الولد معك؟
هزت رأسها بالإيجاب قال بصوت غليظ‏:‏
مطلوب نصف تذكرة‏.‏
رفعت اليه عينين غائرتين ردت بصوت ضعيف مرتبك‏.‏
لكنه يسافر معي كل مرة بدون تذكرة‏.‏
حدجها بنظرة حادة قائلا‏:‏ مطلوب ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه
قالت‏:‏ مازال الولد صغيرا‏.‏
قال وهو يدقق تذاكر الركاب المجاورين‏:‏ ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه
شعرت بالارتباك عندما لاحظت العيون من حولها تراقب الموقف في صمت عاجز ارتجفت يدها وهي تفتح حقيبة اليد السوداء دست أصابعها بين عشرات الأشياء التي ازدحمت بداخلها شرائط أدوية شلة خيط علبة مخملية فارغة‏,‏ زراير‏,‏ روشتات مطوية التقطت كيسا صغيرا قاومت شعورا شديدا بالقهر كاد يدفعها للبكاء وهي تفتحه أخرجت الوريقات النقدية بعناية شديدة أحصت المبلغ عدة مرات تأكدت أنه لا توجد بينها ورقة ملتصقة بأخري تنهدت في ضيق وهي تعيد الكيس الي مكانه أطبقت يدها علي النقود بحرص شديد‏,‏ رفعت نظرات مفعمة بضعف حزين لم تجد المفتش في مكانه أدارت بصرها فيما حولها التقت عيناها بعيني السيدة السمينة التي تجلس أمامها فهمت من الابتسامة التي علت وجهها ومن إشارة يدها أن المفتش انصرف لحال سبيله‏,‏ حاولت جارتها أن تقطع صمتها الشارد بالثرثرة معها لكنها كانت ترد عليها باقتضاب من لا تود الاستمرار في الحديث‏.‏
جلست صامتة يناوشها القلق تتوقع في كل لحظة أن يظهر أمامها المفتش انقبض قلبها عندما لمحته قادما القي عليها نظرة عابرة ومضي في صمت خف توتر اعصابها وهي تلتفت الي ابنها وجدته شاحب الوجه عاقدا ذراعيه أمام صدره غمرها احساس بالحزن عندما تذكرت أنه لم يتناول طعام العشاء وأنه تعب معها في الايام الماضية وهي تقوم بتجهيز الاوراق الكثيرة التي التي طلبتها ادارة المعتقلين كي تحصل علي تصريح الزيارة عشيتها سحابة حزن وهي تستعيد صورة زوجها في ذلك اليوم البعيد وهو يغادر البيت بين يدي رجال الأمن سيطر عليها الذهول والرعب لم تستطع سوي الصراخ قال لها‏:‏ كوني مطمئنة هناك خطأ ما وسوف أرجع بعد قليل‏.‏
مرت منذ تلك الليلة أيام وشهور ومواسم وأعياد صياحات حزينة وليال طويلة باردة تحمل طعم المرارة يحيط بها الغموض من كل جانب لم يقدم الي محاكمة ولا تعرف مصيره تجد نفسها في حيرة شديدة‏.‏
عندما زارها عمها منذ اسبوعين ألح عليها أن تسافر معه وتقيم في القرية‏.‏
قال لها‏:‏ كيف تواجهين الحياة وحدك في هذه المدينة الكبيرة بيتي مفتوح لك‏.‏
لم تتمالك نفسها من البكاء بين يديه فهو الذي تولي أمرها بعد وفاة أبيها لم تمنعه كثرة اعبائه ورزقه القليل من الاهتمام بها والسؤال عنها‏.‏
اعتذرت وقالت له‏:‏ إن فرج الله قريب‏.‏
كلما أسودت الدنيا في عينيها ودهمها الاحساس باليأس وكلما اشتدت عليها ضغوط العمل في المشغل ومطالب ابنها في البيت والمدرسة تشعر أنها ضعيفة وحيدة تحتاج لمن يقف بجانبها ويشد أزرها‏.‏
هدأ القطار من سرعته قبل أن يقف في محطة الوصول تحاملت علي نفسها وهي تتناول لفة الفطير من الرف سارت خلف ابنها الي الباب غادرا المحطة وكانت خيوط الضوء الحاني تبشر الكون بصباح جديد‏,‏ محلات الطعام فتحت أبوابها علي جانبي الشارع المؤدي الي المحطة‏,‏ رائحة الفلافل والمخللات نافذة‏,‏ نظرت الي وجه ابنها الشاحب وقفت أمام أحد المحلات فتحت حقيبة يدها تبحث عن نقود فوجئت بعوض يستوقفها‏:‏
لاتشتري شيئا لست جائعا
ردت باستنكار‏:‏ كيف وأنت لم تتناول طعاما من الأمس‏.‏
جذبها برفق بعيدا عن المحل قائلا‏:‏ لا أشعر الآن بجوع‏.‏
قالت بلهجة حاسمة‏:‏ لابد أن تأكل لن تستطيع مواصلة السير وأنت علي لحم بطنك‏.‏
رد بإصرار عنيد‏:‏ ليست لي رغبة في الطعام
قالت وقد شعرت أن صبرها بدأ ينفد‏:‏ أنا متعبة ولا تزيدني تعبا‏.‏
قال بصوت حاول أن يجعله هادئا‏:‏ لست جائعا‏,‏ ولا تشتري لي شيئا كيف تتصرفين عند العودة اذا طلب المفتش تذكره لي‏.‏
رنت اليه بدهشة صمتت قليلا تحشرج صوتها‏:‏
معي الفطير‏,‏ هيا تناول فطورك
فوجئت بهذه النظرة لم تكن نظرة عتاب عابر نظرة تحمل ثورة الغضب من خلال كلماته‏.‏
تطلبين مني أن أتناول الفطير الذي أحضرناه خصيصا لأبي‏!!‏
أحست بوخز النظرات والكلمات في قلبها شعرت بشئ من الخجل كأنها تسمعه وتراه لاول مرة لمحت بعض التغير في صوته أمسكت بيده لاحظت أن كتفه صار يلامس كتفها ملأت وجهها ابتسامة مشرقة مدت في سيرها كي تلحق خطواته السريعة كأنها خفقات طلبقة في الفضاء لم ترفع عينيها عنه تيار البشر بدأ يتدفق في الشوارع يغمرها احساس جديد لم تشعر به من قبل إنها تستطيع ان تصمد وتواجه الحياة من جديد‏.‏
حسين صادق


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.