عمرو درويش: تعديل قانون انتخابات النواب والشيوخ لمراعاة التوازن والتوزيع العادل للسكان    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    «تشريعية النواب» تناقش تعديل «قوانين الانتخابات» اليوم    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء جامعة مصر الجديدة المملوكة ل «أخبار اليوم»    مشاجرة مسلحة بعين شمس بسبب خلاف بين أطفال    السيدة انتصار السيسى: سعدت اليوم بلقاء أبنائى من ذوى الهمم باحتفالية "أسرتى قوتى"    وزير الزراعة يرد على جدل نفوق 30% من الثروة الداجنة في مصر    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 22 مايو 2025    وزير الزراعة: تكلفة استصلاح الفدان تتجاوز 300 ألف جنيه وفرصة ذهبية للمستثمرين    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 22 مايو 2025    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    محمد عبد الستار يكتب: بعد النجاح في الزراعة ثم الصناعة.. التكنولوجيا هدف «مستقبل مصر» القادم؟    مدير «منظمات غزة» ل«المصرى اليوم»: الاحتلال الإسرائيلى استولى على 80% من القطاع    وزير الخارجية: هناك تفهم من أمريكا لدور مصر في العالم    السفير ماجد عبد الفتاح: تزايد السخط الدولي بسبب استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين (فيديو)    باختصار.. أهم الأخبار العربية والعالمية حتى الظهيرة.. العالم يدين إطلاق الجيش الإسرائيلى النار على الوفد الدبلوماسى بجنين.. وحظر تصدير الأسلحة إلى الاحتلال والتهدئة فى الهند وأوكرانيا والتفاوض مع إيران    استشهاد 3 فلسطينيين إثر قصف الاحتلال الإسرائيلي خان يونس    الأمم المتحدة: شاحنات المساعدات لا تزال تنتظر الضوء الأخضر الإسرائيلي للدخول إلى غزة    سفير طاجيكستان بالقاهرة يشيد بدعم مصر لمبادرات بلاده في حماية البيئة والمياه    الحزب الاتحادي الديمقراطي يدين بأشد العبارات استهداف الاحتلال الإسرائيلي لدبلوماسيين في رام الله    الهلال يخطف نقطة ثمينة من الوحدة في دوري روشن السعودي    محمد صلاح يهنئ توتنهام: «بوستيكوجلو فعل ما قاله»    تحديد موعد مشاركة محمود جهاد في مباريات الزمالك    لحظة وصول بعثة بيراميدز إلى جوهانسبرج استعدادا لمواجهة صن داونز (صور)    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    للمرة الثالثة في تاريخه.. توتنهام يحصد لقب الدوري الأوروبي    رسميًا.. الثلاثي السعودي يحسم مقعده في دوري أبطال آسيا    هاني رمزي: رواتب اللاعبين في مصر تفوق بعض لاعبي أوروبا    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    كيف تعرف أن «الأسانسير» قد يسقط بك؟ 5 علامات تحذيرية    3 ساعات حذِرة.. إنذار جوى بشأن حالة الطقس اليوم: «ترقبوا الطرق»    وفاة طفلة في انهيار منزل بالطوب اللبن بسوهاج    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: صندوق النقد الدولى لا يضع شروطا على مصر    حريق هائل في مطعم مأكولات سورية بالإسكندرية وإنقاذ 10 طلاب داخل سنتر مجاور    حبس «كوافيرة» و5 سيدات في واقعة التعدي على محام بالمحلة الكبرى    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    عادات المليونيرات.. 4 مفاتيح مالية يتجاهلها معظم الناس (تعرف عليها)    4 أبراج «حياتهم مستريحة».. مرفّهون لا يركضون خلف الثروة لأنها تأتيهم تلقائيًا    حاكم الشارقة يتسلم تكريما خاصا من اليونسكو لإنجاز المعجم التاريخى للغة العربية    ياسمين صبرى فى العرض الخاص لفيلم the history of sound بمهرجان كان السينمائى    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    أسماء بنات على «فيسبوك» توحي بالثقة والقوة.. تعرف عليها    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    محافظ الدقهلية: 1522 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب«بلقاس»    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    البنك الإسلامي للتنمية يوقع اتفاقيات بأكثر من مليار دولار مع عدد من الدول الأعضاء    الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"المناديل".. قصة قصيرة لهند سليمان
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 06 - 2011

يوم غريب.. وجوه تشرق ووجوه تغيب.. فمنذ البارحة وأنا لا أذكر إلا وجوه لم أرَ للشمس وجه بينها، ففى صباح الثلاثاء استيقظت وأمى، وعلى وجهها ابتسامة غريبة، تصرخ فى وجهى قائلة "أصحى هتتأخرى على الشغل"، ففزعت مسرعة إلى الحمام ورموشى تخيط ببعضها رافضة أى محاولة لفتح عيونى، وكل من فى البيت ينظرون إلى نظر المغشى عليه، وبلا وعى خرجت من الحمام والصابون على وجهى، فصرخت أمى مرة أخرى "إيه دا.. انت يا بت مسطولة؟" لم أعر كلماتها وصرخاتها أى اهتمام، ودخلت غرفتى وبالمنشفة محوت آثار غيبوبتى، وفى ربع ساعة كنت قد استعددت للخروج إلى المحطة لتبدأ المغامرة.
على المحطة عشرات الناس.. بل الآلاف فى حالة تراكم آلى ينظرون بشغف إلى آخر الشارع، وأحدهم يقول "جه جه"، وأنا مازلت فى سباتى حتى فزعت مرة أخرى على صوت جموع هائلة فى صيحة واحدة "استنا.. استنا"، وإذ بخبطات متتالية تنزغنى من كل جانب وكأنها تريد أن تلعب دور أمى لأستيقظ هذه المرة على وجه طويلا لوحته الشمس فى سمرة خفيفة، ويغطى الشعر الأسود عارضيه كشىء محبب لنفسه وجبهة عريضة مستوية تحتها عينان باردتان لا بريق فيها، وإذ به يشدنى من حقيبتى ويقول لى "يالا يا أنسة اركبى"، وبعدما وفر لى مقعداً استثنائياً على نافذة الميكروباص جلست ألملم شتات أفكارى، أرتكن إلى أعمدة النافذة تارة وأرتطم بسقف الميكروباص من آثر المطبات تارة أخرى، وكلما صاح صاحب الوجه "الأجرة" أخرجت نقودا وأعطيته حتى جاءت محطتى، وأردت النزول فنادى على قائلا "يا آنسة اتفضلى دى فلوسك"، فاستدرت مذهولة، وبالكاد أرى ظلا كبيرا لنخلة أو عمود نور، فقال "أصل انتى أديتينى الأجرة تسع مرات لحد دلوقتى.. وأنا محبتش أكسفك"، واستطرد فى حديثه بينما أنصت إليه بحرص شديد، وكنت أسمع كل كلمة وكأنها كتاب مثقل بالحروف والمعانى، فقال "بس شكلك تعبانة جدا.."، وبنظرة غير مبالية استعدت نقودى، وواصلت طريقى إلى مترو الأنفاق.
فى الطريق إلى المترو، ظننت أننى أغرق فى تيه شرودى، وأشباه أطياف تمر من حولى، حتى باغتتنى امرأة عجوز، تجاعيد وجهها لم تترك للشمس فرصة للتسلل إلى خلاياه عيونها كانت كفناً لدموعها التى اختزنتها سنيناً طويلة حتى تحولت إلى إفرازات متراكمة على رموشها، وتكاد كلمة "مناديل" تدوى فى حلقها المفرغ من الأسنان بفعل فاعل، فتجاوزتها كما تجاوزت غيرها، فتعثرت ببصقة أحدهم، فركنت إلى حائط لزج زاد تعثرى عثرة، وظللت هكذا أتعثر فى البصقات حتى وصلت إلى محطة المترو، وأمام المحطة فوجئت بسيل عرم من بائعى المناديل حتى أننى ظننت أنه حفل استقبال، وبعدما كنت أتعثر فى البصقات فقط صرت أتعثر ببصقة يليها بائع أو بائعة مناديل، وهكذا حتى وصلت إلى شباك التذاكر، وبابتسامة بلهاء وغير مبررة أعطانى موظف التذاكر تذكرتى، وقبل أن أدير ظهرى للموظف أخذت أفكر مليا فى هذا العملاق الذى فاضت أرضية المحطة والشوارع ببصاقاته.
وفى عربة المترو، غلبنى النعاس، وفى أول محطة لكزتنى صبية لا أظنها بلغت العشرين من عمرها وعلى ذراعها طفلة فى الثالثة من عمرها تجيد التمثيل، فتمثيلها لا يحتاج حفظ أبيات من الشعر لحافظ إبراهيم أو فصل من مسرحيات شكسبير، فالصراخ والعويل هما كل ما تملك الصغيرة من أدوات فنية، وأثناء تركيزى العميق فى الصغيرة، لكزتنى الصبية مرة أخرى قائلة "خلصينى يا آبلة البت عاوزة تاكل .. هتاخدى كيس مناديل ولا مش هتاخدى"، وكررت السؤال بينما أغط فى التأمل فيها وفيمن تدعى أنها طفلتها.. وعندما يأست من الحصول على إجابة تشفى غليلها من تلك الزبونة "المتنحة باستمرار" ظنت أنى تمثال فوضعت طفلتها على ذراعى وبدأت إلقاء قصيدتها المفضلة "والنبى ساعدونى أنا كنت زيكم بروح المدرسة واتجوزت ابنى عمى اللى اللبلطجية قتلوه فى الثورة، ومفكروش إن وراه بيت وعيلة بياكلوا من وراه"، فقاطعتها الطفلة بالبكاء والصراخ، فظننت أنها مبرمجة لتفتعل البكاء فى تلك اللحظة بالذات، وظن الناس أنها تذكرت حالها وحال أمها، فسالت الشفقة من جيوبهم وسارعوا لشراء المناديل منها، وبعدما امتلأت جيوبها وباعت تقريبا كل المناديل التى بحوزتها، أسرعت إلى باب المترو دون أن تلتفت إلى الصغيرة، إلا أنها تراجعت فى اللحظات الأخيرة عندما رمقها الركاب بنظرات متحجرة، فانتشلت الصغيرة وفى لحظة كانت أمام المصعد الكهربائى.
"الشهداء" محطتى جاءت، بينما كنت أغط فى النوم، أيقظتنى فتاة ذات ملامح ملائكية بريئة، فهممت بلملمة أغراضى واستجمعت شجاعتى لأقفز وسط تلك الأعداد التى لا أظن أن هناك حصرا لها، وما أن قفزت، سمعت كل ما خط القلم من سباب بحقى فتجاهلتها كالعادة ومضيت فى طريقى المفروش بالبصقات لأدخل بلا إرادة ضمن أعداد أخرى لا حصر لها أمام مترو الخط الثانى، وما لبثت أن أضع قدمى على رصيف المحطة ذاتها، حتى وجدت نفسى داخل عربة المترو يداهمنى وجها لو قدر له العيش فى السنوات الأولى من الخلق لعلم الشيطان الفضيلة ليستأثر بألاعيبه، أخذتنى ملامح وجهها، وهى تتلو الأعمال الكاملة لإبليس، "المناديل.. أظاهر يا بت يا توحة محدش بقى يشترى مناديل"، فدنت منها "توحة" "يا مها لمى نفسك طول ما انتى كل يوم تلبسيلك جلابية شكل هنفلس وهنشحت على الأرصفة"، فطرقعت "مها" بعلكتها الزرقاء ومالت على جنبها، واتكأت بيد على باب المترو، وبالأخرى على خصرها قائلة "أصل رايحة أقابل الواد تامر كمان شوية" فأصدرت طرقعة مدوية، فشردت مرة أخرى فى "بالونة العلكة" التى تخرجها تلك الشفاه الغليظة السوداء، وما إن فرقعت البالونة فزعت على تزاحم الفتيات أمام باب المترو استعداداً للنزول، واستعددت معهم، وأنا بين الشغف للبقاء لرؤية وجه "تامر" وبين النزول.
وبينما كنت أسيرة شرودى كانت عيناى تبحثان عن كرسى شاغر فى محطة "إسعاف" لأتوسد حقيبتى، وأتخلص من ضنين جسد أنهكته تفاصيل الوجوه، إلا أن لكزات الركاب لم تتركنى أنعم بتلك اللحظات، ولم أدرك أننى استنفذت طريقى إلى خارج المترو فى التمتمة والبرطمة، فوجدت نفسى بقدرة القادر خارج المترو، أتبع "كعبا رفيعا" هالنى حجم ما يحمله، لكن فجأة اختفى "الكعب" من المشهد، وإذ بصاحبة الكعب تنظر إلى رافعة حاجبها الأيمن، ويدها على جزء من جسدها على ما يبدو أنه خصرها، واستحوذ وجهها على المشهد كله فيما اتسعت عيناى لتحتوى هذا الوجه الذى غطت الشحوم ملامحه غير أنه لا تزال هناك فتحتان أعلى فتحة الفم البالغة الصغر، وثقبان هما على الأرجح عيناها يعلوهما خطان رفيعان، وظل يدها يملأ المكان، بينما كانت تحاول أن تضع ذلك الكف الغليظ على كتفى، صائحة فى صوت ثغائى مبحوح "نعم؟!"، وقبل أن تركن بكفها على كتفى عانقت حقيبتى استعداداً للفرار، قلت لها "أبدا.. عجبتنى جذمتك"، فابتسمت ابتسامة محت كل ملامحها، وبالكاد تظهر سنتين أو ثلاثة من أسنانها.
عسكر حرامية:
سقط الكعب وصاحبته من خريطة ميدان الإسعاف، وهدأ كل شىء ماعدا حديثا صاخبا بين عسكرى البلدية "يس" و"بدر" بائع الجوارب، وكان "يس" يضع تحت إبطه عصا ويلوك ضروسه بعنف ممسكا بياقة "بدر" المتهرئة، يزعق فيه "الفلوس يلة لحسن ودينى ما أخليك تحط رجلك هنا تانى"، ونظرات بدر المتساقطة تستعطف "يس" أن يتركه يسترزق ليقتات هو وأمه القعيدة، وهو بين الأمل فى أن ترفع يد ضبابية ملائكية يد هذا العسكرى عن ياقته، وأن تأخذه بعيدا عن هذا الرصيف، والحيرة والتفكير فى حيلة يفلت بها من قبضته.
وبهداوة نظر "بدر" إلى ظل العسكرى وكأنه يريد أن يلتقطه من على الأرض، فلمعت عيناه ورفعها بغتة فى وجه العسكرى وقال له "يا بيه هو فى حد بيلبس شرابات اليومين دول.. ما خلاص بجت الصنادل موضة جديدة"، ولم ينفك يكمل عبارته حتى نزل كف "يس" الخشن على رقبته النحيفة، فرفع بدر عيناه والدموع تتساقط منها كأوراق الخريف، فهمّ يضع كفه على عينيه ليوارى به دمعه كما تتوارى الشمس خلف قطعان الغيوم شاحبة صفراء تاركة الكون للآفق المعبأ بالسواد، فانقبض وانكمش فى يد "يس" الذى راح يوسعه ضربا ويسحبه من ثيابه الرثه إلى حضرة الصول "رشاد" فى قسم الشرطة، وعبأت صرخات بدر الميدان وبعد كل صرخة يدوى صوت الطقطقة "المحرمة" التى لا يملك الحاضرين سواها واضعين أكفهم على أفواههم خشية أن يعرف "يس" أى لسان أصدر تلك الطقطة.
وفى صخب تلك الفوضى الصماء، اختفى أى أثر لعربات بولاق- جامعة الدول، وتبعت عن غير عمد صرخات بدر حتى سلمه يس، بإيماءة بالرأس وغمزة من عينه الواسعة المحاطة بالسواد، إلى حضرة الصول "رشاد" فقال له "قوم ياد وبطل تمثيل محدش لمسك"، فنهض بدر ينفض عن نفسه غبار شارعين اجتازهم مجرورا مسحولا، فنبش الصول فى أوراقه وقال لبدر "اسمك وسنك وعنوانك" فرد بدر "اسمى بدر الدين سويفى.. عمرى 15.. وعنوانى يا بيه معرفش أجولهولك بس ممكن أوصفلك"، فدفع الصول مكتبه الصفيح بعنف ودنى من وجه بدر وقال "حتة الحشيش دى يلة كانت معاك بتعمل إيه؟"، فلطم بدر وجهه بكفيه وقال متلعثما "يادى النصيبة السودا والنبى يا بيه ما اعرف حاجة عنها ولا عمرى شفت المدعوج دا قبل كدا.. أبوس ايدك يا بيه دا أمى لو عرفت تروح فيها"، فسكت حضرة الصول وما لوح بيديه إلا وسال الدم ودوى الصراخ تتبعه شهقات بدر الباكية، فأشار الصول بسبابته إلى "يس" ونظرته الحادة نحو بدر قائلا "كل اللى يقولهولك هتسمعه ولا لأ ياد؟" وبدر يهز رأسه وعينيه تستعطف الصول وترجوه وكأنها تقول "خفف الوطء فإنك تطأ روحى"، وقال "أوامرك يا بيه أوامرك"، فاعطى الصول ظهره لبدر وأمره بالخروج بشرط أن يسمع كلام "يس" دائما أو أن يرحل عن ذلك الرصيف، وخرج بدر مدمى رافعا عينه الباكية فى عين المارة يعرض عليهم ما حل به.
وركضت قبل أن يلحظنى حضرة الصول فيتهمنى بالتخابر أو سماع أسرار عسكرية بحتة، وفورا وجدت نفسى داخل أحد التاكسيات وتفكيرى مشوش بتلك العثرات والندوب وجروح بدر لم تغادر مخيلتى، وأفقت على يد السائق وهو يمد يده لى بمنديلا قائلا "لفيه ضمادا حول الجروح"، فاندهشت ورددت عليه "مصنع المناديل نفسه لن يكفى".
وصلت أخيرا إلى مكان عملى، وشعرت بالأمان بمجرد أن دخلت من الباب لأجد علامات التعجب والدهشة تعلو وجوه زملائى، حتى دخلت المكتب فوجدت زميلتى المناوبة تقول لى "ايه اللى جابك النهاردا انتى مش المفروض إجازة..............".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.