الرئيس المنتخب د. محمد مرسي الأول في أشياء كثيرة جديدة علي الناس والسياسة في مصر, فهو أول رئيس مدني, ذو خلفية سياسية ومهنية متميزة. فقد كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين, وكان نائبا عنها في البرلمان, ثم انه أستاذ جامعي مرموق وعالم في تخصصه. كل هذه العناصر متاحة أمام وسائل الإعلام لاستخدامها في تشكيل ملامح صورة الرئيس الجديد, والإشكالية الأولي أن الناس تتعامل مع الرئيس بحسب ملامح هذه الصورة, والتي قد تعتمد علي أكاذيب ومبالغات أكثر من اعتمادها علي حقائق ووقائع علي الأرض, أما الإشكالية الثانية فهي عدم وجود إعلام مؤيد علي طول الخط للرئيس, وإنما هناك وسائل إعلام متعددة بينها صراعات أيديولوجية واختلاف مصالح يجعل من اتفاقها علي صورة واحدة للرئيس عملية صعبة وشبه مستحيلة, وهي ظاهرة جديدة لم يعرفها رؤساء مصر السابقون الذين ظهروا في ظل هيمنة الدولة علي الإعلام واستخدامها الدعائي للإعلام والتعليم في رسوم صورة ايجابية براقة للرئيس بغض النظر عن صدقها. صنع صورة ايجابية للرئيس مرسي عملية صعبة في مناخ ديمقراطي وتعددية إعلامية, واعتقد إن الصراع السياسي بين أنصار مرسي وخصومه سينتقل إلي ساحة تشكيل ملامح صورة الرئيس وقدرته علي قيادة السفينة. ورغم قصر الفترة التي قضاها مرسي رئيسا فإن هناك أربع سمات رئيسية للصورة بدأت في التشكل, وقابلة للتغير, لذلك يدور حولها صراع إعلامية, فبعض وسائل الإعلام توظفها لشكيل صورة ايجابية أو سلبية بحسب موقف كل وسيلة إعلامية والمصالح التي تحركها, ولعل أهم تلك السمات: 1 الرئيس المؤمن الورع البسيط: برزت هذه المكونات في خطاب مرسي ومفرداته الإسلامية, والتراثية, وإشاراته للبسطاء والمهمشين من الشعب, وكذلك تمسكه بعاداته في الصلاة بين الناس وعدم تعطيل المرور أثناء موكبه, والتواصل مع الناس في ميادين الثورة, إضافة لعدم تغيير سلوك أسرته وأسلوبها في الحياة. وفي ظني إن هذه السمات تقرب مرسي من الشعب, وتتفاعل ايجابيا مع تدين المصريين وترفع من شعبيته بين البسطاء الذين يشكلون أغلبية المصريين, لكن البعض يري أن السمات السابقة تثير مخاوف المسيحيين, وتهبط بلغة الخطاب الرئاسي, كما أن تمسك مرسي بعاداته يسبب مشاكل أمنية وإجرائية كثيرة تعوق أداء الرئاسة. 2 نقص الخبرة: الرئيس منصب تنفيذي مرموق وتنقصه خبرات إدارية ومعارف كثيرة عن الدولة العميقة وتعقيداتها, وعن السياسة الخارجية لذلك لن ينجح في حل جبل المشكلات المتراكمة من عصر المخلوع, والأهم التعامل مع ثورة تطلعات المصريين, ورغبة العسكر في تقاسم السلطة. من هنا دافعت بعض وسائل الإعلام عن هذه الاتهامات, واعتبرتها دعوات للتشكيك والطعن في قدرات رئيس لم يختبر, رأت ضرورة منحة فرصة كافية, إضافة إلي إن الرئيس سيعتمد علي فريق رئاسي ووزارة من التكنوقراط القادرين علي سد نقص خبرة الرئيس ومعارفه. 3 الرئيس المروس: صك هذا الوصف الروائي جمال الغيطاني في سياق نقده لعلاقة مرسي بالمرشد وجماعة الإخوان, حيث اتهمه مع أخرين بكونه لن يتخذ أي قرار إلا بعد موافقة المرشد, والحقيقة أن هذا الاتهام يحتاج إلي رد عملي من الرئيس يؤكد فيه أنه رئيس كل المصريين وليس مجرد رئيس للإخوان. 4 القفز بين الشرعيات: يستند مرسي إلي شرعية الصندوق, ويسعي لكسب الشرعية الثورية في الميادين, لذلك شارك في مليونية تسليم السلطة, وفي الوقت نفسه عليه الالتزام بالمشروعية الزائفة للإعلان الدستوري المكمل حيث أدي القسم أمام المحكمة الدستورية العليا, وعليه أيضا احترام أحكام القضاء الخاصة بحل مجلس الشعب. ولاشك إن هناك صعوبة في التوفيق بين كل هذه الشرعيات المتناقضة, مما يتطلب من الرئيس حسما لاختياراته حتي لاتظل صورته موزعة بين هذه الشرعيات.