هناك مثل شعبي في الموروث الثقافي لجنوب افريقيا يقول التجربة معلم شاذ, فهي تختبرك أولا ثم تمنحك الدرس ثانيا, وهذا يعني ان التجارب الحياتية التي نمر بها تعرضنا لمواقف وأحداث بمثابة اختبارات ثم نستخلص منها العبر والدروس, ويمكن تطبيق ذلك المثل علي تجربة الانتخابات الرئاسية التي تعتبر بكل المعاني تجربة ثرية وغير مسبوقة في تاريخ المجتمع المصري, حيث شهد المصريون العديد من الممارسات والفعاليات والاختبارات الفردية والمؤسسية والحزبية ولعبوا أدوارا متباينة كمرشحين وناخبين ومنظمين واعلاميين ومحللين ومديرين وقادة رأي ومشرعين ومنفذين, ولكن يجب التأكيد علي أن المواطن المصري أي الناخب هو الأولي بالرعاية في كل هذه التجربة المجتمعية, فكل هذه العملية الضخمة بتكاليفها وأعبائها إنما تتم بواسطة المواطن ومن أجله, والاختبار المجتمعي الذي تعرض له المصريون علي مدار4 أسابيع في جولتي انتخابات الرئاسة, أفرز الكثير من الدروس والعبر التي يمكن تعلمها, وفيما يلي نرصد أهم الدروس والدلالات: أولا: اكتسب المنظمون والقائمون علي الانتخابات مهارات تنظيمية اعتمادا علي خبرات تراكمية من الانتخابات البرلمانية والجولة الاولي في انتخابات الرئاسة, مما يسر امور المواطنين وخفف الزحام وظهر ذلك جليا في جولة الاعادة, ولكن مازالت هناك حاجة لتعزيز القدرات اللوجيستية الخاصة باعداد اللجان والمقرات. ثانيا: أظهرت تجربة الانتخابات أن السلطة الحاكمة لم توفر مناخا مواتيا لتدعيم ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وقد يفسر ذلك انخفاض نسبة المشاركة عن المعدل المتوقع, ونستخلص من ذلك أن علي الحاكم القادم ان يعمل علي اتخاذ التدابير التي تزيد من ثقة المواطنين وتحفزهم علي المشاركة ومن ذلك استقلالية ونزاهة القائمين علي الانتخابات وان يكونوا فوق الشبهات وإبعاد الأجهزة التنفيذية عن التدخل في التأثير علي ارادة الناخب وعدم استخدام موارد عامة لصالح بعض المرشحين. ثالثا: برغم حدوث كثير من التجاوزات والممارسات السلبية للعملية الانتخابية, فقد اكتسب المصريون قيمة مهمة لا يجب أن يفرطوا فيها وأقصد الشفافية وخاصة البعد المادي منها, إذ لا يكفي أن تتحقق العدالة, بل الأهم أن يري الناخبون هذه العدالة وهي تتحقق, وخاصة في التصويت وفرز الأصوات واعلان النتيجة التي كانت تعلن علي الهواء في سابقة تحدث لاول مرة. رابعا: هناك درس مهم يمكن استخلاصه من انتخابات الرئاسة يتمثل في وهم التعبيرات التي أفرغت من مضمونها وصارت مادة للتندر والسخرية, ومن ذلك الصمت الانتخابي( الذي تحول الي ضجيج انتخابي), وهم المسافة الواحدة( تم رصد بعض الممارسات التي أظهرت ان اجهزة الدولة لم تكن علي مسافة واحدة من المرشحين ومنها أن المحسوبين علي بعض الأجهزة الأمنية قاموا بارسال رسائل نصية تحث المواطنين علي التصويت لمرشح بعينه وقد وصلتني شخصيا مثل هذه الرسالة), ثم تعبير الإعلام المحايد( وقد رأينا كم الانحياز والاستقطاب لكثير من القنوات والبرامج والصحف والمقالات), ثم خدعوك فقالوا الدور القيادي للنخبة الثقافية والسياسية التي لم تقدم سوي حالة من الارتباك والبلبلة وتعميق الانقسام, وخسرت الرهان لصالح المواطن المصري العبقري بفطرته وتحليلاته. خامسا: التأكيد علي المصالحة الوطنية في الفترة القادمة بعد حالة الانقسام الحاد في نسيج المجتمع المصري, وتجلي ذلك في المظهر الجغرافي الذي كشف عن اقليم شمالي ينحاز لمرشح محافظ, واقليم جنوبي ينحاز لمرشح التيار الإسلامي. سادسا: المشاركة الإيجابية من المرأة في الواجب الوطني, وتجلي ذلك في الخروج المكثف للمرأة, وإن صاحبت ذلك عمليات استقطاب وتصويت جماعي وهذا يحمل اطرافا بعينها مثل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والاجهزة الحكومية ومؤسسات التعليم والاعلام في تثقيف وتوعية المواطنات وخاصة محو أمية كثير من النساء في الريف والعشوائيات, وختاما يجب أن ندرك أنه في بداية التجربة الديمقراطية فقد تحدث بعض السلبيات المصاحبة للعملية الانتخابية, وهذا ثمن التعلم الذي يأتي من التأكيد علي استخلاص الدروس والعبر وليس التركيز علي الفشل أو كما يقالnofailure,buteedback وهنا نستحضر أنشودة المبدع محمد منير التي تؤكد علي معني أننا كلنا تلاميذ في مدرسة هذا الشعب فكلنا مناضل كتلميذ يتعلم في مدرسة شعبية, والخبرات الشعبية المكتسبة يجب أن تخضع للتحليل والدراسة العلمية بقصد تأصيلها علميا حتي نتوصل لمفاهيم وثوابت علمية, وهي منهجية قامت عليها العلوم الاجتماعية.