انتخابات الرئاسة التي تمت يومي الأربعاء والخميس الماضيين, هي انتخابات تحدث لأول مرة في مصر وللمصريين منذ مينا موحد القطرين في التاريخ الفرعوني القديم, ذلك أن المصريين يختارون لأنفسهم. ولأول مرة حاكمهم.. وهو موقف وجودي إن صح التعبير فلم يسبق لهم أن مارسوه, واختيار من هذا النوع يستلزم توافر الحرية أولا.. وهو إحساس اكتسبه المصريون بعد ثورة يناير وتنفسوه وتحول لدي بعضهم إلي نوع من الفوضي.. ذلك أنهم لم يمارسوه من قبل لسنوات طويلة. ثم جاء الاختيار بعد الحرية, وهو ما أعنيه بالموقف الوجودي.. ذلك أن هذا الاختيار وهو ليس سهلا تستتبعه مسئولية.. لكي تكتمل عناصر الموقف الوجودي الثلاثة: الحرية والاختيار والمسئولية. إنه ليس اختيارا والسلام, لكنه اختيار ملزم لصاحبه, فهو لا يختار لنفسه فقط, وإنما يختار لنفسه وللآخرين معا.. أي أنه يشرع ما يري أنه الصالح والأصح.. ولهذا يكون الموقف صعبا لأنه موقف مسئول وليس اختيارا عشوائيا. والملاحظ أن هناك نسبة من الناس ليست قليلة لم تذهب إلي لجان الانتخاب لكي تختار.. ذلك عدا الأسباب الأخري أنهم غير قادرين علي الاختيار.. غير قادرين علي اتخاذ ذلك الموقف الوجودي المتبوع بالمسئولية.. فهم يختارون الموقف الأسهل وهو السلبية أو الانزواء. إنهم أضعف من أن يواجهوا أنفسهم أو يواجهوا الآخرين( المجتمع).. إن نوعا من العبودية مازال يتجول في أركان نفوسهم من طول مدة السجن داخل الذات.. إنهم كالسجين لمدة طويلة في زنزانة منفردة ثم أفرج عنه ذات يوم وكان عليه أن يواجه النور أو الضوء.. إنه يتراجع لفترة.. من ذلك الضوء الجديد الذي حرم منه مدة طويلة.. إلي أن يتعود عليه.. لكن تبقي هناك ميزة كبري للأحداث التي شهدها المجتمع المصري في العام الأخير منذ الثورة.. وهي أنها كانت فترة تدريب علي الحرية وعلي الثقافة السياسية من خلال التليفزيون والقنوات الفضائية, وتصادم الآراء. لقد أصبح الشعب المصري يملك وعيا سياسيا.. وثقافة سياسية.. لاشك أنهما سيظهر أثرهما في انتخابات الإعادة حيث ستكون الثقة في إبداء الرأي والاختيار أكثر رحابة وجرأة مما حدث أخيرا. إنني متفائل جدا بهذا الوعي المصري الجديد. [email protected]