أصبح مارك زوكربيرج من جديد في بؤرة الاهتمام الإعلامي الاقتصادي العالمي, لكن ليس هذه المرة بوصفه أغني شاب عصامي في الدنيا, ولا لكونه مؤسس أكبر موقع للتواصل الاجتماعي في العالم. ألا وهو موقع فيسبوك, وإنما بوصفه الرجل الذي قاد واحدا من أضخم اكتتابات الأسهم في التاريخ الاقتصادي. وشرع زوكربيرج ذو الثمانية والعشرين ربيعا في طرح أكثر من أربعمائة وعشرين مليون سهم من أسهم الشركة, وذلك بسعر يبلغ نحو ثمانية وثلاثين دولارا للسهم الواحد. ويعني هذا الأمر رفع القيمة السوقية لموقع فيسبوك إلي أكثر من مائة مليار دولار ليكون هذا الطرح الجديد في الأسهم واحدا من أكبر الاكتتابات في التاريخ الاقتصادي الحديث. كما كان هذا الطرح العام الأول للأسهم الأكبر بالنسبة لشركة إنترنت في التاريخ. ووفقا للحد الأقصي لنطاق السعر الجديد لسهم الشركة, سيجمع المساهمون الحاليون في الشركة نحو12.8 مليار دولار. وقد جاء الإقبال علي شراء أسهم الشركة برغم أنها عمدت إلي رفع الأسعار في الاكتتاب الأولي برغم تحذيرات كبار المستثمرين ورجال المال من أن موقع فيسبوك يواجه تحديات كبيرة أمام جهود زيادة عائداته من الإعلانات. وبناء علي الأسعار الجديدة ستقدر قيمة الشركة بنحو104 مليارات دولار, مما يجعل ذلك الاكتتاب ثالث أكبر اكتتاب عام في الولاياتالمتحدة علي الإطلاق بعد الاكتتاب في شركتي فيزا في عام2008, و جنرال موتورز في عام.2010 وسوف يرفع هذا الاكتتاب علي الأرجح من قيمة ثروة زوكربيرج وهي الثروة التي تبلغ قيمتها سبعة عشر مليارا ونصف المليار دولار. ويعد ما يوصف بالصعود الصاروخي لمشروع موقع فيسبوك من مجرد فكرة أراد زوكربيرج التواصل بها مع زملائه في الجامعة إلي أضخم شبكة اجتماعية علي الإنترنت.. يعد هذا الأمر تجسيدا حيا لقدرة الشبكة العنكبوتية علي إيجاد اقتصاد معولم جديد في عصر ما بعد الصناعة. وبرغم أن هذا الأمر صار من أهم محفزات الابتكار والإبداع في النظام الرأسمالي, فإنه من ناحية أخري أصبح متهما بأنه يفاقم ما يعرف بظاهرة الاقتصاد الورقي الذي تبلغ قيمة المضاربات في عقوده المالية سبعمائة تريليون دولار. أما الأخطر من هذا كله فيتمثل فيما يوصف باتساع الهوة بين قيمة الاقتصاد الحقيقي ونظيره الورقي بشكل قد ينذر بمزيد من الهزات المالية العنيفة.. أو هكذا يقال. قيمة فيسبوك مبالغ فيها ربما يكون من الصعب وصف قيمة الشركة التي تدير موقعا للتواصل الاجتماعي, أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة نحو سبع سكان العالم, بأنها مبالغ فيها, ولكن كبار المستثمرين المحنكين أكدوا هذه الحقيقة, وذلك قبل أيام من هذا الطرح العام الأولي لأسهم الشركة, وهو الحدث الذي ترقبته أسواق المال العالمية بشغف بالغ. تقول شبكة التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم فيسبوك: إن عدد مستخدمي موقعها بلغ901 مليون مستخدم في أبريل الماضي, لذلك فالكل يترقب ليري هل سينخفض سعر السهم بعد طرحه أم سيرتفع, لكن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للعاملين في فيسبوك والمساهمين فيها, هو: هل ستنجح الشركة في تبرير هذا السعر المرتفع للسهم علي المدي الطويل من خلال تحويل هذا الجمهور الكبير من مستخدمي موقع فيسبوك إلي جمهور مستهدف للمعلنين فيتحول نجاح الموقع الجماهيري إلي إيرادات مالية للمساهمين. يقول الخبراء: إنه من الناحية المالية البحتة فإن المعدل المعتاد بين قيمة أرباح الشركة وقيمة أسهمها عند الطرح العام الأولي هو واحد إلي15, ووفقا لبيانات فيسبوك فإن الموقع حقق العام الماضي أرباحا صافية بلغت مليار دولار من عائدات إجمالية بلغت3 مليارات دولار, وهو ما يعني أن القيمة السوقية العادلة للشركة تبلغ15 مليار دولار فقط, وليس104 مليارات دولار كما هو الحال الآن حسب هذا الطرح. إمكانات هائلة ومما لاشك فيه فإن شبكة فيسبوك تمتلك إمكانات هائلة كمنصة إعلانية ضخمة, لأنها تعرف الكثير من بيانات المستخدمين, وبالتالي تستطيع تحقيق ربط جيد بين المعلن وجمهوره المستهدف, لكن الشركة نفسها تعترف بأن تحويل هذا النجاح الجماهيري إلي تدفقات نقدية ليس سهلا في ضوء حقيقة أن جزءا كبيرا من مستخدمي شبكة فيسبوك يعتمدون علي الهواتف الذكية, والكمبيوتر اللوحي للدخول إلي الشبكة, في حين أن فيسبوك وغيرها من الشركات الأخري مازالت تتلمس الطرق لجعل الإعلانات عبر هذه الأجهزة مجزية. وكانت فيسبوك قد حذرت في مذكرة للسلطات الرقابية قالت فيها: هذه الزيادة في معدل استخدام فيسبوك عبر الأجهزة المحمولة أسهمت في الفجوة بين الزيادة في الاستخدام اليومي للشبكة من جانب المستخدمين, والزيادة في عدد الإعلانات التي يتم نشرها, وسوف يتأثر أداؤنا المالي وقدرتنا علي زيادة الإيرادات سلبا بهذا الوضع. والحقيقة أن الشكوك في قدرة فيسبوك علي تحقيق عائدات مالية من جانب كبار المعلنين لديها كانت السبب وراء تريث الكثير من كبار المستثمرين الأمريكيين في قرار شراء حصة من أسهم هذه الشركة, كما أن الشركة تواجه صعوبات قانونية فيما يتعلق بحماية خصوصية بيانات المستخدمين وكيفية استخدام هذه البيانات بحسب كلام شركة مورنينج ستار للاستشارات الاستثمارية العالمية. وكانت مؤسسة مورنينج ستار قد ذكرت في مذكرة بحثية أن التركيز علي التحديات قصيرة المدي أمام فيسبوك يمكن أن يؤدي إلي تراجع سعر سهم الشركة, وهو ما يتيح فرصا كبيرة لشراء هذا السهم بأسعار أفضل فيما بعد. كما نقلت وكالة بلومبرج الأمريكية للأنباء الاقتصادية عن فيليبو جاربارينو من مؤسسة فرونت ويف كابيتال للاستشارات المالية العالمية قوله: إنه في ضوء هذه الظروف فإن من يشترون أسهم فيسبوك هم مضاربون أكثر منهم مستثمرون. وبرغم امتناع كبار المستثمرين عن الاكتتاب في طرح فيسبوك فإن الشركة وجدت إقبالا كبيرا من جانب المكتتبين إلي الدرجة التي دفعتها إلي زيادة سعر الطرح قبل تنفيذه بأيام, ثم التفكير في زيادة حجم الطرح نفسه. والحقيقة أن السوابق التاريخية تقول: إن أسعار أسهم شركات الإنترنت انخفضت بسرعة بعد طرحها للاكتتاب العام الأولي, برغم نجاح هذا الطرح بشدة في البداية. يقول فرانسيس جازكينز كبير الباحثين في مؤسسة: آي بود ديستكوب دوت كوم: إن بعض الناس سوف يشترون أسهم فيسبوك بغض النظر عما سيشترونه.. سيكون هناك في البداية الكثير من الحماس, والكثير من المال, ولكن بعد عام أو نحو ذلك فإن الأمور سوف تعود إلي معايير القيمة الحقيقية, وهذا ما يجب أن يحدث.