في قصر المهرجانات بشارع لا كروازيت علي شاطئ كوت دازور الساحر, يفتتح الليلة مهرجان كان السينمائي الدولي, الذي يستمر حتي27 مايو الحالي, وسط احتفالات ببلوغ الدورة الخامسة والستين.. وبهذه المناسبة, يعرض الفيلم التسجيلي يوم خاص(53 ق), الذي صنعه رئيس المهرجان جيل جاكوب بنفسه بالاشتراك مع صامويل فور, ويدور حول كواليس مهرجان كان, خاصة في دورته الستين. واختار المهرجان ملكة الإغراء الأمريكية مارلين مونرو لتكون رمزا له في2012, احتفالا بالذكري الخمسين لرحيلها, التي تحل في أغسطس المقبل, حيث تبدو أيقونة هوليوود- في صورة بالأبيض والأسود- وهي تطفئ شمعة تورتة في أفيش المهرجان. هذه الدورة مختلفة بالنسبة لمصر أيضا, حيث يشارك المخرج الكبير يسري نصر الله في المسابقة الرسمية بفيلمه الجديد بعد الموقعة, الذي كان يحمل اسم ريم ومحمود وفاطمة, في أول مشاركة مصرية منذ15 عاما, حين خاض المخرج الكبير يوسف شاهين المسابقة عام1997 بفيلمه المصير. وبذلك تعود مصر للسير علي سجادة كان الحمراء الحقيقية بعد طول غياب, حيث كان بعض المنتجين المصريين خلال السنوات القليلة الماضية يستأجرون سجادة حمراء للسير عليها والإيحاء بمشاركتهم في المهرجان, بينما كانوا في الحقيقة يدفعون مقابل عرض أفلامهم في سوق الفيلم! نصر الله هو الاسم العربي الوحيد في المسابقة, وفي الأقسام الرسمية بشكل عام, باستثناء مشاركة المخرج الفرنسي من أصل مغربي, نبيل عيوش, في قسم نظرة ما بفيلم خيول الرب.. وبعد الموقعة, أي بعد الثورة, تجربة فريدة كما وصفه مخرجه في العديد من التصريحات الصحفية والتليفزيونية, حيث لم يكن هناك سيناريو مسبق بالمعني المفهوم, بل خمس ورقات فقط, وقرر نصر الله الكتابة والإخراج تدريجيا والتعديل المستمر مع تطور الأحداث, بين الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, الذي أجري في19 مارس2011, والانتخابات التشريعية التي انطلقت28 نوفمبر من نفس العام. يتتبع الفيلم5 شخصيات أساسية: ريم( منة شلبي), وهي ناشطة سياسية تعمل في إحدي شركات الإعلانات, ولكنها تواجه مشكلة في عملها عندما تقرر الشركة تنفيذ حملة للتوعية من خلال الاستعانة بكومبارس.. بينما يجسد باسم سمرة دور محمود, وهو فقير متزوج من فاطمة( ناهد السباعي) ولديهما طفلان, ويمثلان الطبقة الفقيرة أو المعدومة التي تعاني في البحث عن قوت يومها.. والشخصية الرابعة سيدة تهتم بحقوق الحيوان( فيدرا), وعندما تنغمس في الواقع تكتشف أن الإنسان لم يحصل علي أدني حقوقه.. أما الشخصية الأخيرة فهي ناشطة سياسية تجسد دورها سلوي محمد علي. ويتنقل الفيلم بين ميدان التحرير ونزلة السمان وأماكن أخري, وكان من المفترض أن ينتهي تصويره في نوفمبر الماضي, مع الانتخابات الرئاسية وفقا للخطة التي أعلنها المجلس العسكري في فبراير2011, إلا أن تأخر الأمر حتي ميعاد جديد في يونيو المقبل, جعل أحداث الفيلم تنتهي مع مليونية الفرصة الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير يوم الجمعة25 نوفمبر الماضي.. وقال نصر الله إنه صور الفيلم بكاميراARRIALEXA ديجيتال فائقة الجودة, وأجري عمليات ما بعد التصوير في معامل فرنسا. قدم نصر الله فيلمين- حتي الآن- عن الثورة, أحدهما قصير والآخر طويل, بعكس سينمائيين كثيرين يرون أن الوقت لم يحن بعد لتقديم فيلم حقيقي عما حدث في مصر بدءا من25 يناير2011, وعن ذلك قال: أعتقد أن السينما الروائية الطويلة تعاني بشكل عام من أزمة وارتباك وعدم استقرار, والأفلام التي عرضت- سواء قبل الثورة أو بعدها- واجهت ظروفا صعبة, وهناك من يفكر بمنطق أن الوقت مازال مبكرا علي تقديم أفلام عن الثورة وأننا نحتاج لأن نعرف( راسنا من رجلينا), رغم أن هناك حالة تجعل أي شخص منفعلا وهذا الانفعال هو المادة التي عادة تقدم من خلالها الأفلام. وأضاف أن الأفلام التي قدمت عن الثورة ربما لم تكن علي مستوي الحدث لأننا كمواطنين لم نكن علي مستواه المليء بالتعقيدات والأسئلة, مشيرا إلي أن ثورة25 يناير لا تحتاج إلي فيلم مثل رد قلبي, الذي قدم عن ثورة يوليو, أو أفلام حرب أكتوبر التي ليس من بينها عمل يعبر عن ذلك الانتصار العظيم. وقال: كلمة( لسه بدري) علي تقديم فيلم عن الثورة تجعلني أشعر كما لو أننا عاجزون, ولا يصح أن أكون منفعلا بحالة ولدي صور ومشاعر وأشخاص حقيقيون وأحداث وكل هذه( اللخبطة) الموجودة والتي تعتبر المادة الخام للفن ولا أقدمها في فيلم.. إذا لم أقدم فيلما وأنا منفعل, فمتي سأقدمه؟. والمعروف أن نصر الله له العديد من المشاركات السابقة في مهرجان كان, أبرزها عرض فيلمه سرقات صيفية في قسم نصف شهر المخرجين عام1988, وفيلمه الكبير باب الشمس خارج المسابقة عام2004, بالإضافة لإخراجه أحد الأجزاء العشرة لفيلم18 يوما, الذي عرضه مهرجان كان العام الماضي في إطار برنامج تكريم مصر بعد ثورة25 يناير. واختير فيلم مملكة طلوع القمر, المشارك في المسابقة الرسمية, لافتتاح مهرجان كان هذا العام, وهو من إخراج ويس أندرسون الذي شارك في كتابة السيناريو مع رومان كوبولا, نجل المخرج الشهير فرانسيس فورد كوبولا.. وتدور قصته في ستينيات القرن الماضي, حول شابين عاشقين يهربان من ديارهما بحثا عن حياة جديدة صاخبة. ويبدأ عرض الفيلم بدور العرض الفرنسية في نفس تاريخ عرضه بالمهرجان. أما في الختام, فيعرض- خارج المسابقة- فيلم تريز ديسكيرو, آخر أعمال المخرج الفرنسي الكبير الراحل كلود ميلر, الذي غيبه الموت في الرابع من أبريل الحالي. إلي جانب بعد الموقعة وفيلم الافتتاح, يشارك في المسابقة الرسمية20 فيلما, أبرزها: كوزموبوليس للكندي ديفيد كروننبرج, وحب للنمساوي مايكل هانيكي, ومثل شخص يحب للإيراني عباس كياروستامي, ونصيب الملائكة للبريطاني كين لوتش, والمطاردة للدنماركي توماس فينتربرج. ويرأس لجنة التحكيم الرئيسية هذا العام المخرج الإيطالي الكبير ناني موريتي. ويعرض في قسم نظرة ما17 فيلما من بينها فيلم عيوش, وفي قسم خارج المسابقة ثلاثة أفلام, أهمها أنت وأنا للمخرج الإيطالي الكبير برناردو برتولوتشي, وفي عروض منتصف الليل فيلمان, وفي قسم عروض خاصة ثمانية أفلام, أبرزها الجنة الملوثة للألماني من أصل تركي فاتح أكين.