دور الدين في حركة المجتمع المصري بكل موروثاته التاريخية والثقافية والدينية يشبه كثيرا جرعة الدواء..أي أن وجوده أساسي وضروري..بيد أن الفائدة القصوي منه تستجلب فقط إذا ماكانت الجرعة مناسبة الأن نجد في مصر مابعد25 يناير سيطرة كبيرة لما اصطلح إعلاميا علي تسميته بالتيار الاسلامي حيث إرتأي كثيرون من أبناء الشعب أن ممثلي الاخوان والسلفيين يجب أن يمنحوا ما حرموا منه طيلة عقود خلت..وهو المشاركة والتفاعل ومحاولة حلحلة مشاكل المجتمع المعقدة والموروثة والمتراكمة..فحدث أن اكتسح الاخوان والسلفيون الانتخابات البرلمانية الاخيرة...ولاضير من ذلك, فمن حق الجميع المشاركة في العمل السياسي, بل ان التنافس بين القوي والجماعات السياسية هو سمة الدول المتطورة..وهو دليل علي صحة وعافية المجتمع الذي ينتج افكارا متنافسة ومتشابهة ومتعارضة.. الخ فيغدو إذن التدافع بين الناس باختلاف مشاربهم ورؤاهم, هو الضابط لحركة المجتمع وتطورها. ومثلما يقول علماء السياسة أن قاعدة.. checksandbalances هي الضامن لعدم غلو السلطة اأو فتئاتها علي النهج الديمقراطي المنشود والمعني المراد هنا هو ضمان ألا تحتكر احدي السلطات القرار دون مساءلة أو تعاون مع السلطات الاخري..فان وجود تيارات سياسية متنافسة.. متباينة الرؤي والتفسيرات هو أمر ايجابي, وليس سلبيا علي الاطلاق, مثلما يروج الآن من اعتادوا علي الفكر الواحد علي مدار العقود الفائتة. بيد أن هناك محددات ينبغي أن نحرص جميعا علي التمسك بها لضمان ألا يغلو أي تيار سائد حاليا علي الحياة المصرية, بنواحيها المختلفة, فيفتئت علي مستقبلها ويظلل أيام حاضرها بألوان رؤاه قسرا وجبرا: أولا: لا خير حسب رؤيتي يرجي من دمج الدين بالسياسة أو إمتزاجهما معا بصورة كلية.. فهكذا حدثنا التاريخ وعلمتنا تجارب الشعوب, فكلاهما لايصلح للامتزاج مع او الذوبان في الآخر فالدين مقدس وثابت والهي..بينما السياسة هي متغيرة بالضرورة ومتناقضة أحيانا ولكن ارادة ناخبي مصر ارتأت عكس ذلك في الانتخابات البرلمانية الاخيرة لاسباب كثيرة لامجال لذكرها , ومن ثم فعلينا جميعا إذن أن نتعامل مع الموقف الراهن, وعلي مايسمي بالتيار الاسلامي أن يثبت علي عكس ماتبدي مدي نضجه السياسي عبر النأي بنفسه عن استنساخ الممارسات الاحتكارية للحزب الوطني المنحل, وإلا فانه يكتب نهايته بنفسه ويضعضع ثقة الجماهير به الي غير رجعة..أو علي الأقل لوقت طويل قادم. ثانيا: حذاري من أن نقحم الدين المقدس فيما لايجب أن يقحم به, وفقا لمثال جرعة الدواء السالف الاشارة اليه,..فالعمل علي اكساء الثوب الديني جميع مناحي الحياة مثل الرياضة او الثقافة أو الاقتصاد قسرا وقهرا وافتعالا لتديين مالايجب أن يتم تديينه يعني أننا سوف نغدو مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا وعلينا أن نحافظ علي تنوع مشارب الثقافة وندعمها, فالاسلام دين قائم علي الاختيار الطوعي وليس الاجبار, ولقد أرسي قاعدة عدم التفتيش علي النوايا والضمائر تحت أي إطار. ثالثا: فلنتفق علي أن قاعدة لا رهبانية ولا كهنوت في الاسلام...لامجال للنكوص عنها أو النيل من رسوخها بناء علي ماتقدم فليس هناك من شخص أو جهة أو جماعة من حقها أن تصنف البشر, وفقا لما يتراءي له أو لها مابين اسلامي أو غير اسلامي. علينا إذن أن نحذر كثيرا من أن نرسخ دون أن ندري ما دأب البعض علي الزعم بامتلاكه هو احتكار الحديث باسم الدين أو الاسلام.. الخ فالاسلام هو للجميع من مصريين وغير مصريين...وهو يتسع برحابة ليستوعب غير المسلمين. ولنتذكر أن الدين, في مصر المحروسة لطالما أسئ استخدامه من قبل الحكام, قديما وحديثا إما كأساس لتوطيد أركان الحكم وترسيخ مفاهيم الخضوع والتقية وعدم الخروج علي الحاكم الظالم, أو كدرع تجاه النيل من خصومهم ودرء أخطارهم وهو مالايجب السماح بتكراره في مصر مابعد25 يناير.