في كل شارع وحارة..حي شعبي وراق.. علي الطرق الرئيسة والفرعية, يتوغل التوك توك ذلك الصرصار الأسود المزعج يقوده صبي أرعن أو شاب مبرشملا يلتزم بقواعد مرور أو آداب سير, إذا جنحت إليه سيارة يقودها شيخ في عمر والده أو جده يكيل له من السباب صنوفا ومن بذئ الألفاظ ما يعف عن سماعه الحجر لا البشر. يؤذينا التوك التوك في كل يوم.. يحرق دمنا بالنهارويؤرق نومنا بالليل ولا رادع لتلك الأغاني الهابطة والدربكة التي ينفثها كالسم في آذاننا وأذواقنا. طرب التوك توك له ناسه ومستمعوه فمن ذا الذي يتذوق غيرهم روائع من عينة هموت عليها يا ما وهاتي بوسة يا بت هاتي حتة يا بت إلي آخر تلك الدعارات الفنية التي تتحرش بمن يغضب عليها الله وتستقل التوكتوك والويل لمن يعترض, إذا حدث ذلك منك فانتظر السنجة والموس والصاعق الكهربائي وكن مستعدا للجري إذا تجمع عشرة سائقين زملاء وأحاطوك بالتكاتك فالمجاملات كفيلة بأن تزهق روحك وروح من يتشدد لك. هذه حال شوارعنا والحمدلله أن لنا بيوتا نأوي إليها من شر التوك توك الصرصار.. لكن البيوت لا تخلو هي الأخري فبمجرد أن تأنس إلي جهاز التليفزيون وتتناول الريموت لتذهب في جولة بين القنوات الكثيرة( الله يرحم أيام الاولي والتانية ونغمشة الإرسال) فخذ عندك في كل قناة توك توك من فئة الشو, في كل فضائية يجلس خبراء وساسة يتنابذون ويختلفون وتعلو الأصوات ويصول الرجل ويجول ويهب في زميله ضيف البرنامج, حتي إذا سخن الحوار ودخلنا مرحلة الشتائم يتدخل مقدم البرنامج( قائد التو شو) مبتسما لأن برنامجه حاز نحاجا واستحوذ علي نسبة مشاهدة وطبعا إعلانات وحتما يزيد راتبه عشرات الآلاف من الجنيهات. هناك وجوه محفوظة ومستأنسة تهواها الفضائيات تفرح إذا ألمت ضائقة بالوطن أو قضية جدلية, فتراهم علي الشاشات بالتناوب, يحللون ويدافعون ويهاجمون وتسأل في النهاية: بماذا خرجت من تلك المناقشات والوجبات الدسمة سوي بتخمة تصيب بالغباء ولا تنتهي بحلول للأزمات العاصفة التي تهدد بالإطاحة بالوطن. ومسكين ذلك المشاهد المواطن الغلبان الكحيان, ينتظر طرح العنب من رمال التوك شو الساخنة إذا هي تحرق دمه وترفع ضغطه ويقوم من أمام التليفزيون وقد طالت أذناه ولو سألته: ما القضية ؟ سرد عليك بفم مفتوح وعينين مبرقتين زيهز رأسه ثم يقول دول عالم فاضية وبياعين كلام. في دولة كمصرنا, لانحتاج إلي وصلات الردح وحب الظهور والاصطياد في الماء العكر كما يحدث في فضائيات لا تحصي فقدت أبسط قواعد أدب الحوار, وتناست أن هناك أجيالا تشكل المادة الإعلامية جزءا أصيلا من ثقافتها. الأسرة المصرية كما يقول صديقي استاذ علم النفس, تري الشاشة مهربا من واقع مأساوي وصراعات وتحزبات فإذا بها تصطدم بالواقع في أسوأ صورة له في برامج التوك شو التي لا تقدم سوي مكلمة ومزيد من الاختلافات والخناقات بما لذ وطاب, ومازلت أذكر أن أحد نجوم التوك شو اختلف مع ضيف زميل له ووصلا إلي درجة من العصبية والصوت المرتفع حتي كاد الرزاز المتطاير من فم كل منهما يعبر الشاشة إلي وجوهنا. السادة القائمون علي التوك شو, من مقدمين ومعدين إخلاص النوايا يصلح الأعمال, إذا كنتم تريدون رسالة إعلامية هادفة فابحثوا عن وطنيين مخلصين يقدمون حلولا لا خطب رنانة ويطرحون رؤي صائبة لا ردحا وشرشحة, حتي لا يهرب المشاهد من توك شو الشارع الي تو شو الفضائيات ثم ينتظر متبرما إلي وجوه الجالسين أمام الكاميرات ويتأفف ويتحول إلي مشاهدة فيلم أجنبي أو قناة الرقص الشعبي. [email protected]