عندما يكرر المشير تأكيده علي أن القوات المسلحة تقف علي مسافة واحدة من جميع المرشحين للرئاسة وأنها لا تنحاز إلي طرف علي حساب طرف آخر, ولا تدعم أحدا من هؤلاء المرشحين. فإنه أزال الكثير من الغموض في المشهد السياسي الراهن وتحديدا فيما يتعلق بالمرشح أحمد شفيق أحد قيادات المؤسسة العسكرية السابقين. عندما يقول المشير طنطاوي.. متحدثا باسم القوات المسلحة ومجلسها الأعلي: لسنا ساسة ولن نسمح لأحد أن يجرنا إلي معترك السياسة أو إدخالنا طرفا فيها, وأن مهمتنا الرئيسية هي الدفاع عن مصر وحماية شعبها وأمنها القومي, وعندما يقول.. متحدثا عن نفسه: أنا لست رئيسا ولا أسعي لأن أكون رئيسا, وإنما أنا جندي بالقوات المسلحة, وكل هدفي وطموحي أن أصل بمصر إلي بر الأمان, فإنه بهذه الكلمات يوجه رسالة بالغة الأهمية وشديدة الوضوح للمصريين جميعا تؤكد العزوف التام عن السلطة. أهمية رسالة المشير عبر تلك الكلمات أنها تعهد صريح وأخير بإنهاء المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة دون تباطؤ أو تأجيل وعلي النحو الذي يبدد مخاوف بعض القوي السياسية من أن ثمة سيناريوهات لدي المجلس العسكري لتمديد المرحلة بغرض البقاء في السلطة. وبالقدر نفسه من الأهمية فقد جاءت تصريحات المشير من داخل سيناء بأن القوات المسلحة قادرة علي كسر ذراع وقدم من يفكر في النيل من أمن مصر.. بمثابة رسالة أخري بالغة القوة والحسم.. موجهة للداخل لطمأنة المصريين, وموجهة أيضا للخارج ولإسرائيل علي وجه التحديد, وهي رسالة لا تخفي دلالتها المهمة في هذا التوقيت وخلال واحدة من أكبر المناورات العسكرية والتي أظهرت بجلاء قدرة العسكرية المصرية. كانت التصريحات السابقة للمشير طنطاوي بضرورة وضع الدستور الجديد قبل تسليم السلطة للرئيس المنتخب قد أثارت المخاوف من تأجيل الانتخابات الرئاسية ومن ثم تأجيل نقل السلطة في موعدها المحدد, باعتبار ان الوقت المتبقي غير كاف لكتابة الدستور, خاصة مع تعثر إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية بعد أن أبطل القضاء تشكيلها الأول. غير أن تأكيدات المجلس العسكري علي لسان الفريق سامي عنان خلال اجتماعه الأحد الماضي مع فقهاء الدستور علي أنه لا نية لتأجيل انتخابات الرئاسة.. أزالت تلك المخاوف نهائيا وهو الأمر الذي يعني إجراؤها قبل وضع الدستور. وإذا كان من الممكن القول بأنه تم احتواء جانب كبير من الأزمة السياسية التي تشهدها مصر منذ عدة أسابيع بالخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية, فإنه تبقي مشكلة الخروج من مأزق الدستور وحيث اختلفت وتباينت أراء ووجهات نظر ومقترحات الخروج من المأزق خاصة فيما يتعلق بصلاحيات الرئيس والذي سيكون أول رئيس لمصر بعد الثورة ومع بداية الجمهورية الثانية. إن وضع الدستور قبل نهاية يونيو القادم طريق شبه مستحيل ومحفوف بالمخاطر. فنحن لا نبني عمارة أو مؤسسة.. أو حكومة.. بل نضع أساسا لنهضة مصر كلها.. أساسا للمستقبل الذي لن يشهد انطلاقة حقيقية دون أساس قوي وقواعد دستورية راسخة. هذا الأساس سوف يحكم كل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء الذي ستنطلق أحكامه وقوانينه من الدستور الجديد. هذا الأساس الدستوري سوف يحدد وضع الجيش وصلاحياته ومسئولياته وكذلك نوع النظام الرئاسي وصلاحياته وجميع الأسس التي تنظم عمل مؤسسات الدولة.. بما فيها البرلمان والاعلام والشرطة.. إلخ لذا فإن الاستعجال في صياغة الدستور الجديد سوف يؤدي إلي إنتاج ثوب معيب.. لايناسب صاحبة الجلالة.. أرض الكنانة, كما أن الاستعجال سوف يعيدنا إلي أسلوب النظام البائد الذي تفنن في صياغة القوانين وإعداد التعديلات الدستورية علي مقاسه ومقاس الورثة الذين ضاعت أحلامهم!.. وتوارت وجوههم! بمعني آخر.. فإن إعداد الدستور يجب أن يأخذ وقته الكافي, وأن يخضع لمناقشات واسعة داخل جميع مؤسسات الدولة والإعلام الذي يجب أن يتناوله بموضوعية وبحياد وتجرد.. لأنه سوف يناله من الدستور الجديد نصيب وافر( ثمانية بنود اقترحتها نقابة الصحفيين). خبير بالمركز العربي للدراسات الاستراتيجية وأستاذ منتدب من جامعة حلوان