وصلنا لذروة الجدل واختلاف الرؤي حول أيهما أولا.. الانتخابات أم الدستور, ولكل فريق اقتناعه الذي بدأ يفسد للود قضية, فأصحاب وجهة النظر الداعية للانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر يستندون إلي نتائج الاستفتاء الذي أعطي نموذجا رائعا لمصر, التي يجب أن تخطو للأمام ولا تعود لنقطة الصفر, فإذا حدث فالمعني بالغ السوء ديمقراطيا حينما يتم تجاهل الأغلبية إرضاء للأقلية. ولدي الفريق الآخر من المنطق ما يستحق التوقف والبحث الجاد, فهو يخشي دخول الانتخابات البرلمانية قبل تحديد ملامح الدستور الجديد لضمان الالتزام بمدنية الدولة بعيدا عن بعض التوجهات التي تثير الكثير من المخاوف والتساؤلات. ويلجأ كل فريق إلي استعراض قوته, وعدد المؤيدين له من خلال وسائل الضغط الإعلامي والشعبي التي تبقي أهمها الدعوة لمليونية الجمعة4 يوليو, وما يحيط بها من تفاعلات مهمة بمشاركة جميع الأطراف. ولأن باب الاجتهاد يظل مفتوحا وواسعا فإن الحل قد يكون في متناول الأيدي, وبطريقة السهل الممتنع, والبداية بالتركيز علي جوهر القضية التي لا خلاف عليها, فالانتخابات حتمية, والدستور أيضا, والجدل فقط في أيهما يسبق الآخر, ولو جرت الانتخابات في موعدها فذلك يحقق رأي الأغلبية في الاستفتاء, وهو أمر له دلالته الإيجابية, وبعد تشكيل مجلس الشعب يبدأ العمل وعلي الفور في إعداد الدستور الجديد وإقراره قبل الانتخابات الرئاسية حتي إن تأجلت بعض الوقت عند الضرورة, والهدف أن يظل المجلس العسكري قائما بمهامه ولا يسلم الأمانة والمسئولية للرئيس المنتخب إلا بعد العمل بالدستور الدائم. بمثل هذا الاقتراح يحصل كل فريق علي ما يريد, خاصة أنه لا يوجد خلاف حقيقي علي ضرورة الإسراع بالانتخابات والدستور معا حتي تنتهي الفترة الانتقالية بالصورة الإيجابية التي تحظي بإعجاب العالم في تجربة نادرة تتعجل فيها المؤسسة العسكرية عملية تسليم المسئولية لمؤسسات الدولة المنتخبة, وتحافظ في الوقت نفسه علي تعهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالالتزام بتنفيذ الإرادة الشعبية التي تقررها صناديق الاقتراع للوصول إلي الدولة المدنية. وهكذا يأتي الفهم الواضح والصريح لما أعلنه المشير طنطاوي بأن مصر لن تسقط أبدا.