شجرة الرتم هي إحدي المجموعات القصصية للقاص والروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي استطاع أن يقدم تجربة فريدة في السرد العربي وصلت به إلي آفاق العالمية. فقد حصل علي عدة جوائز من دول أوروبية منها جائزة الدولة الاستثنائية من سويسرا وجائزة الدولة للأداب الأجنبية من فرنسا واختارته مجلة لير الفرنسية من ضمن خمسين أديبا من دول العالم المختلفة وأطلقت عليهم لقب أدباء القرن الحادي والعشرين( أدباء الغد) وفي مجموعة شجرة الرتم يقدم لنا إبراهيم الكوني نموذجا سرديا متميزا تمتزج فيه رؤية السارد الذي يمتلك أدواته الفنية وأسلوبه وثقافته ولغته الخاصة بحكمه وفلسفة الحكماء البدوي ابن الصحراء الغربية مما يضفي ثراء وتفردا علي قصص هذه المجموعة حيث تذوب الحدود الفاصلة بين القصة والأسطورة لدرجة تصل إلي حد التساؤل هل هذه الأسطورة أو الحكاية الخرافية تنتمي للتراث الثقافي البدوي أم أن القاص هو الذي ابتدعها كما في قصة رأس الثعبان عندما أصر مأمون صديق الراوي علي فصل رأس الثعبان الضخم عن جسده بعد أن دخل معه في معركة أدت إلي قتله وقام مأمون بدفن الرأس بعيدا عن الجسد وفي الصباح وجد أن جسد الثعبان ملتف علي جذع الشجرة كما شاهداه أول مرة فقال مأمون للراوي( أنت تعرف.. لو لم نفصل رأسه عن جسده.. إحم.. أنت تتصور..!) وفي قصة الشهيد يريد أن يتكلم يمتزج التاريخ بالحكاية الشعبية المؤسطرة ويصبحان المحرك الرئيسي للحدث ورمزا واحدا لرغبة الشهيد في الكلام والثأر من النار التي احرقوا فيها حبيبته وتبدأ القصة بأن الراوي وصديقة مأمون قد سمعا صوتا غريبا في الظلام ينطق بكلمات غير مفهومة أثناء رحلتهما في وادي المغر غر لصيد الغزلان وبعد أن أشعلا نارا ورقدا بجوارها مرت دقائق ثم تساقطت الأحجار علي النار كأمطار الشتاء فانطفأت والتفت الراوي نحو مأمون فوجد كدمات غريبة ومدمية في وجهه وعندما توقف مطر الأحجار شعر الراوي بألم شديد فتحسس جبينه فوجد كدمة كبيرة وعندما عادا الي الواحة أخبرا( الشيخ غوما) بما حدث فقص لهما حكاية المجاهد الشهيد محمد صالح الذي أعدمه جنرال من جيش الإحتلال الإيطالي يدعي بالبو في وادي المغر غر( وفي لحظة وضع رأسه في المشنقه أتوا بحبيبته'' مسكونة'' وأشعلوا فيها النار بكوم كبير من الحطب حدث ذلك أمامه ورأسه في المشنقة), أما عن حضور الصحراء في المشهد القصصي لهذه المجموعة فإنه يمثل العمود الفقري لهذا المشهد الذي تتنوع فيه صور وتجليات حضور الصحراء إلي جانب أنها تمثل المحيط الذي تدور فيه الاحداث تنعكس تجليات حضورها علي ملامح الشخصيات النفسية والاجتماعية من غرابة وغموض ورغبة دائمة وجامحة في التحرر من أي قيد او إطار فبوسعنا أن نصف شخصيات هذه المجموعة بأنها شخصيات صحراوية مثل( الشيخ غوما) و(الراوي) و(مأمون) و(ميلود) و( جبران المرابط) فمثلا في قصة شجرة الرتم التي تحمل المجموعة القصصية عنوانها يرفض الطفل( ميلود) الإقامة في بيت عمه ويحاول الإنتحار فيفشل ويهرب من المدرسة ويعود إلي الصحراء ليرعي الغنم مع حبيبته( غزالة) ويأكلان معا من شجرة الرتم فتتخدر أوصالهما ويعيشان في حلم جميل متسع وممتد مثل امتداد الصحراء ولكن بعد عودته لا يجد الخيام ولا الحبيبة ولا الأهل فقد انتقلوا لمكان آخر ويظهر له الطائر المقدس مرة أخري فيقول( المرة الثانية نذير شؤم) ويجلس حتي منتصف النهار ثم ينهض ويمضي نحو الشرق في الاتجاه حيث اختفي الطائر المقدس, وفي قصة واحة تضج بالغناء نري( جبران المرابط) بعد رحلة مريرة تعرض فيها للموت يلتقي بالمجاهدين الذين تفرقوا في الصحراء عند الحدود بعد أن نفدت ذخيرتهم في معركة( غرب الكفرة)وبالمصادفة يكتشف وجود رصاصة كانت في جرابه وهو لا يدري فيتذكر وعده مع المجاهدين للشيخ عمر المختار( والله يا سيدي عمر لن نتراجع حتي نموت معك أو ينفد ما معنا من ذخيرة) فينهض جبران بكل إصرار وتصميم تاركا الرفاق ويمتطي جواده وينطلق مثل عاصفة صحراوية ويتجه( إلي هناك حيث الأسلاك الشائكه.. ليتخلص من رصاصة تائهة وجدت في جرابه فلم يعد أبدا), وفي أكثر من قصة تظهر شخصية( الشيخ غوما) حامل الثقافة الشعبية البدوية الذي كان رجلا من رجال الشيخ عمر المختار وحارب معه الإحتلال الإيطالي ويقول الشيخ غوما في قصة العاصفة لمأمون وصديقة( ثمة أشياء كثيرة في الصحراء لا يجب أن تبحث لها عن تفسير) وهنا نجد الغموض الصحراوي الذي ينعكس علي جانب من جوانب شخصية( الشيخ غوما) وفي قصة الغزلان يقول( الشيخ غوما) لمرزوق بعد أن أقاموا في الواحة وتركوا الصحراء بسبب الجفاف( لكن لابد أن نعود كيف نستطيع أن نعيش يا بني بدون صحراء؟ إنها هنا الصحراء في القلب) وهنا نجد أن الصحراء ليست موجودة في ذاكرة البدوي فقط كوجود معنوي تاريخي او كمصدر للالهام بل إنها أيضا موجودة داخل كيان الشخصية أينما كانت تقيم فيقول الراوي في قصة قصيرة جدا بعنوان( الصحراء) إن الأوربيين أطلقوا عليها أسماء عجيبة مثل صحراء الصحاري أو الصحراء الكبري أو أم الصحاري ولكن ذلك لم يكن يعني شيئا بالنسبة له لأنه( كان يحملها في أعماقه العطشي للمطر برغم أنها تختزن أنهارا من الماء) وفي قصة المطر يمشي بطل القصة تحت عواصف الأمطار بلا مظلة في شوارع وارسو وموسكو وباريس يتعجب منه المارة في الشوارع تحت مظلاتهم ويحذرونه من ذلك فيقول( بالطبع, لا يعلم أحد أن ثمة صحراء كبري من الرمال عطشي إلي الماء تتجول في أعماقه). محمد علي عزب طوخ قليوبية