أود في إطلالة اليوم أن نتناول موضوع البحث العلمي في مصر, ورغم انه شأن قومي عام, فإنه يرتبط بي كأستاذ جامعي وباحث في العلوم الإدارية ولعل أكبر جرائم العهد البائد في تجريف الحياة بمصر تمثلت في إهمال البحث العلمي, وتجلي ذلك في تدني مخصصات الدولة للبحث والتطويرR&D, وغياب استراتيجية قومية ذات أولويات بحثية وبرامج مؤسسية ثم سوء أوضاع الباحثين نتيجة انخفاض جاذبية البحث العلمي ماديا ومعنويا, بالإضافة إلي عدم استقرار تبعية الكيان المختص بالبحث العلمي فتارة وزارة مستقلة ثم ضم البحث العلمي للتعليم العالي ثم الانفصال مع تغيير الوزراء مما يتسبب في غياب الاستمرارية وبالتالي يكون الولاء لأشخاص وليس لسياسات عمل ونظرا لأهمية وجود استراتيجية قومية للبحث العلمي في مصر, أطرح اليوم رؤية قد تساعد المسئولين عن البحث العلمي في النهوض به كمدخل ضروري لإحداث تنمية مستدامة ونهضة مصرية شاملة في كل القطاعات. وأنوه إلي انني سبق أن أرسلت رؤيتي هذه لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق د. معتز خورشيد وقد اهتم سيادته آنذاك وحولها عن طريق مدير مكتبه إلي رئيس اكاديمية البحث العلمي الذي لم تصلني منه أي استجابة حتي الآن والذي يتباهي بأن الأكاديمية في أزهي عصورها ولو صح ذلك لانعكس علي مؤشر جودة مراكز البحث العلمي في مصر الذي انخفض إلي2.4( من7) لتحتل مصر المركز112 من بين142 دولة لعام2011 مقارنة باسرائيل التي احتلت المركز الاول علي دول العالم برصيد6.2, ويدل ترتيب مصر علي تدني جودة البحث العلمي وخاصة المراكز البحثية وعلي رأسها أكاديمية البحث العلمي والتي لا يشعر المواطن المصري بأي إنجازات ملموسة لها عبر عقود من الزمن لترهلها الاداري وعدم خلوها من ممارسات فساد بالاضافة إلي عدم الربط بين الخطط والمشروعات البحثية والمزايا النسبية لمصر. وانطلاقا من حس وطني, أقدم تصورا لعله يفيد في رسم استراتيجية قومية للبحث العلمي, تقوم علي دراسة وتشخيص المزايا النسبية لمصر, ورؤيتنا لهذه الاسترتيجية تقوم علي عدة محاور هي: 1) تحديد المزايا النسبية لمصر في البحث العلمي. 2) تقسيم العمل 3)وضع خطط بحثية طويلة الأجل. 4) إعداد مشروعات بحثية متكاملة. 5) تمويل البحث العلمي. 6) تسويق مخرجات البحث العلمي. 7) وضع خطط العمل والبرامج التنفيذية. وفي رأينا فإن تحديد المزايا النسبية لمصر في البحث العلمي هي البداية الصحيحة لصياغة استراتيجية للبحث العلمي في مصر علي المدي الطويل وذلك بحصر أهم المجالات والأنشطة التي تتمتع فيها مصر بميزة بحثية وهذا يعني ان يتم توجيه البحث العلمي إلي المجالات التي لمصر فيها مزايا نسبية واضحة, والبعد عن الأنشطة والمجالات التي لا تحقق فيها مصر مزايا نسبية مثل: المنتجات الجديدة والصناعات الثقيلة والصناعات الدقيقة. ومن أهم المجالات والأنشطة التي لمصر فيها مزايا نسبية ما يلي:1) الأنشطة كثيفة العمل( المنسوجات والملابس الجاهزة الأثاث والسيراميك وبعض الصناعات المعدنية) 2) الصناعات التي يكون فيها المنتج في مراحل متأخرة مثل الأجهزة الكهربائية والالكترونية والبرمجيات والكيماويات وخاصة المبيدات الحشرية التي تعتبر منتجات نمطية ويمكن انتاجها في مصر بتكلفة اقل من الاستيراد استفادة من بحوث العلماء والخبراء المصريين 3) الأنشطة البحثية 4) دعم القدرات التنافسية للصناعات القائمة في الأسواق الدولية ومنها الصناعات الجلدية والخشبية والبلاستيك. 5) تحويل المنتجات الزراعية إلي منتجات صناعية مثل العصائر والمربات وغيرها. 6) الأنشطة البحثية المتعلقة بدعم القدرات الإدارية والتنظيمية لمؤسسات قطاع الأعمال بما يعالج مشكلة انخفاض الكفاءة الفنية والاقتصادية ويطور قدرات هذه المؤسسات ومن ذلك البحوث المتعلقة بالخدمات المالية والسياحة والتسويق وتنمية الموارد البشرية والملكية الفكرية. بعد تحديد أهم المجالات والأنشطة التي يكون أو يمكن ان يكون لمصر فيها مزايا نسبية, يتم حصر للإمكانيات والموارد القائمة بكل مؤسسة بحثية وتوزيع الأنشطة البحثية علي هذه المؤسسات بما يضمن عدم تكرار المجهودات وحسن تخصيص الموارد ويفيد في ذلك اعتبار كل جامعة أو مؤسسة بحثية بمثابة بمركز تميز ويعني ذلك ان تتخصص جامعة القاهرة في انشطة بحثية متميزة وعين شمس في بعض الأنشطة الأخري وكذلك الاسكندرية وحلوان وغيرها وأكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث والمراكز البحثية التابعة لبعض الوزارات, ويكون تقسيم العمل من خلال التمايز. ويعني تحديد نقاط التميز التي يتمتع بها مركز بحثي معين وتوجد لديه مزايا نسبية تميزه عن غيره من المراكز من حيث القدرات البحثية مثل معهد الكلي بجامعة المنصورة, ومجمع المعامل والبحوث النوعية بزراعة القاهرة والتكامل يعني تكامل القدرات البحثية بين الاقسام العلمية والمراكز البحثية المتماثلة أو التي لا تتمتع بمزايا نسبية واضحة مثل أقسام الاقتصاد الزراعي وإدارة الأعمال والصحة العامة...