الأسطي عطوة أو كما يطلق عليه في الحارة التي يعيش فيها( أبوالبنات) لأنه أب ل5 بنات أكبرهن(18 سنة) يقوم هو برعايتهن بعد أن توفيت والدتهن وأصبح لهن بمثابة الأب والأم. يعولهن من راتبه البسيط كعامل بأحد المصانع في المدينة القريبة من القرية والتي يعيش فيها الأسطي عطوة والذي يدعو ربه ليل نهار بأن يأتي ابن الحلال, أي ابن حلال, يطلب الزواج من إحدي بناته وهو سيوافق مباشرة بأي شروط وتحت أي ظروف ليخلصه من عبء ثقيل. جلس الأسطي عطوة بين بناته الخمس حول( طبلية) العشاء ساهما مفكرا شاردا ودون أن تمتد يده للعشاء الذي امامه منشغلا في كيفية الرد علي طلب( صبحي) زميله في العمل لتزويج ابنه من( رقية) ابنته الكبري, وكانت حيرته هذه ليست نابعة من إمكانية الرد بنعم أو لا فهو يتمني الخلاص من أي من بناته بالزواج, ولكن حيرته نابعة من خوفه مما تعانيه تلك الأبنة من مظاهر مرض الصرع الذي تهاجمها نوباته من فترة لأخري فتتشنج عضلاتها وترتعش أطرافها ولا تشعر بأفعالها وتدخل في غيبوبة لا تفيق منها مدة. ولكن شيطانه يقول له( أخف الأمر وزوج البنت) ويقول لنفسه ربنا يستر ويجيب الشفاء ولأن الفقر يذل أعناق الرجال, فقد وافق الأسطي عطوة علي زواج ابنته( رقية) لابن زميله دون أن يخبره بحقيقة مرض ابنته حتي تخف مسئولياته ولو قليلا, ولأن تكاليف هذا الزواج كانت قليلة فلم تستغرق الكثير من الوقت حتي تم الزفاف. انتقلت ابنته إلي بيت الزوجية وهي تعاني من صغر السن وقلة الخبرة ومحملة بمرض الصرع ومعرضة للأصابة بنوبات التشنج والاغماء بين فترة وأخري, وكلما اشتكي الزوج من تلك النوبة وسأل أباها عن الحقيقة, يقول له إنها من أثر الخوف من الزواج المبكر, ويرضي الزوج بهذا التبرير دون محاولة من جانبه لعرضها علي أي طبيب للصحة النفسية. وتمر الأيام وتحمل وتضع بعد مرور شهور الحمل طفلا يفرح به كل أفراد الأسرة ويصبح موضع رعاية( حماتها) حيث يمضي الرضيع كل وقته معها وذلك نظرا لتكرار نوبات صرع والدته, وعلي فترات زمنية متقاربة ووالدها يخفي حقيقة المرض ويصمت ويبرره هذه المرة بأنه من آثار الحمل والرضاعة وزوجها في غمرة انشغاله بعمله ولقلة موارده المالية وخشية الدخول في دوامة الأطباء والتردد علي المستشفيات وشراء الأدوية وما سوف يتكلفه من أعباء مالية ولأن( العين بصيرة والأيد قصيرة) فقد غض النظر في صمت عن نوبات زوجته وأكتفي بالوصفات البلدية وتدليك جسمها بماء الورد أثناء النوبات, وهكذا وتحت وطأة الفقر والحاجة تواطأ أب باخفاء حقيقة مرض ابنته وزوج تجاهل خطورة المرض وأسرتان اكتفتا بالفرجة دون تدخل. عاشت الزوجة أيامها لا تشعر بنفسها ولا تعي معظم تصرفاتها.. فقط ترضع رضيعها تحت رعاية حماتها ثم تتركه لها لتدخل في نوبة صرع تلو الأخري, حتي جاء اليوم المشئوم الذي خرجت فيه الحماة من المنزل وتركتها وحدها مع رضيعها علي أمل العودة بأسرع وقت ممكن, حيث حملت رضيعها بين يدها وأخذت تنظر إليه بحنان الأم وتداعبه بود, ولأن حماتها طال بها الغياب عن المنزل فقد شعر الرضيع بالجوع وأخذ يبكي بشدة ورقية تحاول اسكاته دون جدوي وفجأة وبدون مقدمات وكالعادة هاجمتها نوبة الصرع فأزبد فمها وتشنجت عضلاتها ولأنها لا تعي في تلك الحالة تصرفاتها, ولكي تسكت صياح رضيعها وضعته تحتها ورقدت فوقه متشنجة بكامل جسدها واضعة يدها علي فمه وراحت في غيبوبة لمدة كانت كافية لإصابة الرضيع بالاختناق. وعادت الحماة للمنزل وما أن شاهدت المنظر حتي انطلق منها الصراخ والعويل الذي تجمع علي أثره الأهل والجيران, وتم استدعاء رجال الشرطة وابلاغ النيابة العامة التي انتقلت للمعاينة ووجهت لرقية تهمة الاهمال الذي أدي إلي قتل رضيعها, وقد دفع محاميها بأن إصابتها بمرض الصرع تجعلها غير مسئولة عن تصرفاتها مستشهدا بأقوال والدها الذي رفض إثبات هذا الأمر في فترة ما قبل وقوع الحادثة لرغبته في اخفاء الحقيقة, وكذلك عدم وجود أي مستند طبي يؤيد إصابتها بالصرع, ليصمت الأب والزوج والأسرة وتقاعسهم عن عرضها علي أي طبيب للصحة النفسية قبل الحادث. لذلك تم تحويلها لمحكمة الجنايات في القضية رقم532 لسنة2009 والتي حكمت عليها بالسجن10 سنوات للقتل الخطأ الناتج عن الأهمال, وهكذا وفي جلسة عشاء أخري علي نفس( الطبلية) المخصصة للعشاء جلس الأسطي عطوة ولكن هذه المرة وسط بناته الأربع فقط لأن الخامسة في سجن النساء, وحفيده في المقبرة, نتيجة لصمته, جلس الأسطي عطوة وهو يفكر في ابنته الثانية( محاسن) والتي بلغت منذ شهرين18 سنة وانتابتها نفس نوبات صرع أختها ودار بينه وبين نفسه صراع داخلي وتساؤلات, هل يخفي مرضها ويصمت؟ أم يعلنه؟ واستعاذ الأسطي عطوة من الشيطان الرجيم وعقد العزم علي الذهاب بها لطبيب الصحة النفسية لعل الله يغفر له صمته القاتل!