لا يوجد هناك تعريف جامع مانع لمفهوم الثورة وكأن الثورة عصية علي التعريف كطبعها العنيف ولكن ابسط التعاريف المتاحة قد يكون بأنها: التغير السريع للأفضل.. من وجهة نظري, الثورة: هي قلب المقلوب ليستوي فعندما تكون هناك عدة عوامل سلبية متوافرة في بلد ما فلابد ان تقوم ثورة لتسوي الاوضاع المقلوبة, يبقي موضوع الزمن والذي يصعب التنبؤ به بدقة لأنه ما من شخص يملك القدرة علي معرفة الغيب من المهم هنا التعرف علي أهم الأسباب والعوامل التي تقوم من أجلها الثورة في بلد ما, وهي: الاستبداد من قتل وتعذيب, الفساد من بعثرة الثروات ونهب المال العام والواسطة والمحسوبية والرشوة. الاقصاء للآخر المختلف أيديولوجيا دون وجه حق وحرمانه حتي من أبسط حقوقه الانسانية, سد الآفاق بمعني ألا يجد الانسان فرصة في التعبير عن ارائه بحرية. فمثلا لقد لجأت الأنظمة العربية المستبدة إلي عسكرة المجتمعات وهيمنة المؤسسات الأمنية علي كل صور المجتمع من اقتصاد وتجارة وتعليم.. وغيرها من كل سبل الحياة, حتي ان كان ذلك في شكل منح الموافقة في تأسيس جمعية لحماية نوع من الحيوانات خشية الانقراض مثلا كل ذلك ضرب الانسان في كرامته, فكان عليه اما الحياة خانعا خائفا مهمشا فقيرا غريبا في وطنه او لاجئا في الغرب يعيش في الشوارع الخلفية للمدينة إلا من رحم ربي وكانت لديه الامكانات العلمية والمادية لينخرط في حياة طبيعية في هذه المجتمعات الديمقراطية حتي خرج جيل الثورة وهو جيل تغلب علي الخوف, تحصن بالإيمان وبالعلم. إن آلية تحقيق الثورة من وجهة نظري هي اشبه بمباراة لكرة قدم من شوطين فالشوط الاول هو هدم البناء القديم البالي والشوط الثاني بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي تؤسس علي دستور مدني يقوم علي المواطنة ويفصل بين السلطات ويبني المؤسسات وأولها مؤسسة الجيش الوطني والقضاء. الجيش الوطني والذي ينضوي تحته كل الثوار والمظاهر المسلحة ويعيد تنظيم وتوزيع السلاح والمؤسسة الثانية مؤسسة القضاء والأمن. فبناء أي دولة حديثة في العالم اليوم يقوم علي ثلاث مقومات هي: المشاركة في القرار السياسي, والتوزيع العادل للثروة, وبناء مؤسسات الدولة. ما يهمني كباحث هنا هو العامل الاقتصادي في بلدان الربيع العربي وكيف ستواجه مشروع صناعة ثروتها في زمن ازمة مالية خانقة تعصف بالعالم وبدول أوروبا الاقرب لنا جغرافيا وهي دول اليورو والتي تعاني من أزمة خاصة بعد مشكلة اليونان, رغم كل ما تحاول ان تقوم به المانيا والتي نجحت نجاحا باهرا في مساعدة تركيا وبولندا مؤخرا, في حين اخفقت فرنسا في مساعدة تونس والمغرب. ان المشروع الاقتصادي القادم لابد ان يكون اقتصادا تنافسيا مؤسسا علي المعرفة والمتكامل مع دول المنطقة في شراكة لاغالب ولامغلوب فيها والتحول من الاقتصادي الريعي الي الاقتصادي المعرفي ليس فقط في دول مثل ليبيا بل ايضا في دولة مثل مصر وتونس والتي تزخر بطاقات شابة صنعت ربيعها العربي باستخدام المعرفة والتقنيات المتاحة لها في ظل ظروف قاهرة, فحري بها ان تبدع الآن في ظروف افضل أليس كذلك؟ المشروع الاقتصادي يجب ان يكون إحدي ركائزه القطاع الخاص في اعتراف صريح من الدولة, المهم تغير كل رموز الفساد السابق والأهم القضاء علي عقلية الفساد والاقصاء السابقة من خلال عقلية جديدة تشجع القطاع الخاص وتؤسس لتراكم الثروة كمخرج لمشكل نضوب النفط الذي سيبدأ في العشرين سنة القادمة, قد يكون الاعفاء الضريبي في السنوات الاولي لبناء الدولة الليبية عاملا مساعدا للتأسيس علي قاعدة اقتصادية سليمة تقلل من التهرب منه في شكله الحالي, وكحافز للقطاع الخاص للمساهمة في القضاء علي البطالة وخاصة في صفوف المرأة. انشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد منذ بداية بناء الدولة الوليدة قبل ان ينتشر في مؤسسات الدولة ويصبح كالسابق ثقافة شطارة وعملية ممنهجة يصعب استئصالها او حتي التقليل منها. من جهته القطاع الخاص مطالب ان يبدأ بتجهيز نفسه لمنافسة شرسة في سوق مفتوحا مع شركات عالمية من خلال الاطلاع وامتلاك افضل التقنيات والمعرفة من خلال التدريب المتواصل وان يلتزم اخلاقيا من خلال ميثاق ذاتي بمكافحة الفساد والرشوة, باعتباره احد طرفي العملية, فكما ان هناك موظفا مرتشيا هناك رجل اعمال راش. ان مشاركة القطاع الخاص في صياغة ووضع القوانين منذ البداية عامل اساسي في انجاح تنفيذها فهو المستهلك للعدالة في نهاية المطاف. وعلي الحكومات ان تخلق مناخا جاذبا من خلال قوانين جديدة,وضيغ تمويل سهلة وميسرة, وافراز قيادات لاتعاني من فقر في الخيال الابداعي لديها ولاتتحرك الا لمصلحة شخصية وممارسة السادية وحب التسلط ومبتلية بعدة امراض نفسية كالرشوة والمحاباة والشللية علي حساب الوطن وضمان حياة افضل للاجيال القادمة في بلد بلا نفط. ولنجاح الثورة لابد ان يكون هنالك شكل من اشكال التوافق لكل اللاعبين علي الساحة السياسية حتي يتسني للثورة ان تلعب شوطها الثاني وهو شوط بناء الدولة الحديثة المستقرة الآمنة. اخيرا نقول: في غياب الأمن والمؤسسات سيرجع الاستبداد والفساد والاقصاء وسد الآفاق وهي العوامل التي سببت كل ثورات الربيع العربي وعندها ستحدث الثورة المضادة وهي تاريخا كانت مصاحبة في معظم الثورات التي حدثت في العالم ونكون قد ضحينا بدم الشهداء وبمزيد من الدماء الجديدة, وعندها لن نجمع علي ان كلهم شهداء.. نبدو كأنك يازيد ماغزيت