إن أي تهديد لإسرائيل, هو تهديد للولايات المتحدةالأمريكية نفسها...ولم تكتف هيلاري كلينتونبهذا الدعم المرائي والمعيب لإسرائيل أمام آلاف المشاركين في مؤتمرايباك بل راحت تمارس التشهير بالفلسطينيين وتتجاهل معاناتهم. ولم تفوت الفرصة في شن هجوم تحريضي علي حماس وحزب الله وايران. وفي كنف لعبة توزيع الأدوار, خرج علينا المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشلليطالب الفلسطينيين في الضفة الغربية بضبط النفس بعد تزايد عدد الأرواح التي أزهقت علي أيدي جنود الاحتلال, وتعبيره مطاط هلامي, الصحيح هو مطالبتهم بأن يموتوا بصمت والمهم في الأمر, أن هذه الثمرات المرة لم تنضج من تلقاء نفسها,بل علي شجرة أساطير توراتية لاعلاقة لها بالقانون الدولي,فهذا القانون لايعتد به في مفاهيم النبوءات والمواعيد القيامية التوراتية, التي كانت ولاتزال فكرة تجسيد أمريكا. فالمهاجرون الأوائل لأمريكا عانوا من البوريتاليين( التطهيريين) الذين حملوا معهم القناعات التوراتية وتفسيرات العهد القديم التي انتشرت في أوروبا وعامة انجلترا علي وجه الخصوص,حتي أن أول مدينة قام المهاجرون بإنشائها نيويورك أطلقوا عليها آنذاك أورشليم الجديدة وأطلقوا علي أمريكا اسماء: أرض الميعاد وصهيون واسرائيل الجديدة, وعلي ابنائهم أسماء الأنبياء في التوراة وأبطالها ختي إنهم لم يمنعوا أنفسهم من إقامة الشبه التاريخي بخروج العبرانيين المزعوم من مصر, فقد فروا الي أمريكا هربا من ملوك انجلترا الكاثوليك, كما هرب العبرانيون من ظلم فرعون الي أرض كنعان( فلسطين) وقد تمادوا في تمثيل مشهد الخروج العبري المزعوم,فأعلنوا حرب الإبادة ضد الهنود الحمر, كما أعلن العبريون حرب الإبادة ضد الكنعانيين. وليس الحديث عن التاريخ الكامل للمسيحية الصهيونية في أمريكا من أهدافنا, ذلك أنه موضوع لانهاية له, وحسبنا هنا أن نتناول ماله صلة بموضوعنا فيما يختص بتداعيات هذا الأمر علي قضية فلسطين عامة, والقدس علي وجه الخصوص ذلك أن المسيحية المتصهينة في أمريكا أثناء الفترة الاستعمارية وحتي بعد الحرب الأهلية الأمريكية كانت تؤمن بشكل أساسي بعقيدة مابعد الملك الألفي والأفكار الرؤيوية, وببداية القرن التاسع عشر, أصبحت عقيدة مابعد الملك الألفي تدريجيا أكثر شعبية, كما بدأت عقيدة انتعاش إسرائيل تؤثر تأثيرا كبيرا ومتزايدا علي المسيحيين المتصهينين أو الاصوليين بالانجيليين الأمريكيين مابين عافي1859 1872, وهكذا أصبحت المسيحية الصهيوية منذ وقت مبكر قوة محدثة في النظام السياسي الأمريكي, ربما أهلها لدور مؤثر في السياسة الخارجية والدفاعية لأمريكا, وفي كتابها النبوءة والسياسة تقول الباحثة الأمريكية جريس هالسل:إن الأصولية الانجيلية والمسيحية الصهيونية, مستعدة بل راغبة بكل قواها في إشعال نيران حرب نووية بشأن إسرائيل تحقيقا للنبوءات المقدسة فالاعتقاد بدعم إسرائيل, يستند الي فقر توراتية من سفر التكوين يبارك فيها الرب ابراهيم عن وعده بالأرض: سأبارك من يباركك وألعن من يلعنكوبهذه الفقرة يجعل الأصوليون الانجيليون الأمريكيون إسرائيل فوق الجميع في نظر الله, لدرجة أن مصير الأمم الأخري,يصبح مرتبطا بموقفها من اسرائيل ويؤسسون ادعاءهم المتكرر بأن الله لا يعطف علي الشعوب العربية والشعوب الداعمة للقضية العربية, ويعتقدون أن أمريكا لو انقلبت علي اسرائيل مثلا, فإن الله لن يقيم لها وزنا بعد ذلك, وأن أهمية الأمريكيين في نظر الله مرتبطة بتنفيذ إرادته في الأرض( أي دعم إسرائيل) وهكذا تم تأسيس الانحياز الأمريكي لإسرائيل علي أساس لاهوتي قبل الأساس القانوني والاستراتيجي, وهو الأساس الذي زاد من ضخامة تأثير نفوذ إسرائيل واللوبي اليهودي في أمريكا, وهكذا ظل رمز أمريكا: أرض الميعاد وصهيون وإسرائيل الجديدة يحيا في النخبة الحاكمة, كما يقول المؤرخ البريطاني بول جونسون في كتابة مشاعر عقيدة الاختيار ويؤكد قناعتهم المتوارثة بأن أمريكا هي الجسر إلي مملكة الله, وأنهم هم يد الله التي ستبني أورشليم الجديدة علي انقاض القدس, وظلت هذه النخبة تعتقد أن الاختيار الإلهي لها قدر محتوم, وذلك الذي أكد عليه رؤساء الولاياتالمتحدة بلا استثناء بدءا من جورج واشنطن عام1796 وانتهاء بالرئيس الحالي باراك أوباما الذي كانت يهودية القدس بوابة نجاحه في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأولي, ألم يصرح أمام الايباك يوم كان مرشحا للرئاسة, بان القدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية الخالصة, ولقد عرف الماكر كيف يضرب علي الوتر الحساس في خطابة للمسلمين في الآستانة والقاهرة, لم يبعهم سوي الأحلام, بل أنه لم تنتهك القدس في عهد أي رئيس أمريكي كما انتهكت في عهد أوباما وقد رأينا كيف استطاع ان يقنع دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل في مقابل تليين موقفها من المبادرة العربية, وقد حدث ذلك بالفعل, بيد أن موقف إسرائيل قد ازداد صلابة, والتي بدت واضحة خلال زيارة بايدن إلي إسرائيل, وبعد تصريحات الرباعية في موسكو. إن هذه التطورات التي أوردناها آنفا تعطي فكرة عن تلك النزعة الاستعلائية الفوقية التي لا تعبأ بضيق الحكام العرب ولا بغضب الشعوب, ولا بإضافة مزيد من الإجهاد إلي أنظمة يكاد الإجهاد يبلغ بها مداه.. إن الأمور إذا استمرت علي ما هي عليه من إرادة عربية احتوتها القبور فإن الكيان الصهيوني يكاد يغدو وإن لم يكن قد أصبح فعلا إمبراطورية صهيونية أو دولة عظمي يهودية مرشحة لأن تبسط مظلتها الشيطانية علي الوطن العربي بكل ما فيه من ملوك ورؤساء وحكومات وأحزاب وقوي وبشر, ناهيك عن كل ما فيه من مصادر وموارد وثروات, ابتلع الصهاينة الكثير منها بما اختلقوه من أزمات اقتصادية عالمية, ولا يزال مسلسل هذه الازمات مستمرا مما من شأنه ان يبتلع البقية الباقية من المال العربي الأغبي إنسانيا وحضاريا من أي مال آخر طوال تاريخ الإنسانية والأكثر جشعا وتخلفا إن هذا الوضع بالذات, هو الذي أعطي الحق لأحد نبلاء الضمير من اليهود الأمريكيين وهو نعوم تشومسكي لأن يشبه الإدارة الأمريكية في معاقبتها للشعب الفلسطيني علي اختياره لحركة حماس بزعيم تنظيم القاعدة الذي يري معاقبة الشعب الأمريكي لأنه أخطأ في اختيار إدارته, وكان كثيرا ما يردد: أن المسار واحد, والحجج الديمقراطية هي ذاتها, والأهداف الاستغلالية للأضعف من قبل الأقوي تتكرر, وعلينا الا ننتظر توبة القوي عن غيه, بقدر ما علي الضعفاء أن يتكتلوا وينتفضوا ضد الظلم, سيما أن ثمة ضعفاء استطاعوا أن ينالوا حقوقهم بالمثابرة.