في ليلة ممطرة قارسة تتساقط فيها قطرات المطر زخات.. زخات.. علي نافذة يختفي فيها القمر مختنقا خلف السحب الكثيفة التي تغطي السماء ليعاود الظهور علي استحياء ومابين اختفاء القمر وصوت ارتطام قطرات المطر بزجاج النافذة وقفت فايزة(45 سنة) والتي لم تتزوج بعد ليس عن رفض لعرسان تقدموا لها. ولكن لما أشيع عنها في الحي الذي تسكنه بأنها مخاوية جن يقتل كل من يتقدم للزواج منها, خاصة بعد أن مات خطيبها الأول في حادث سيارة تعرض له بعد أن اتفق علي ميعاد الخطبة ونزل من منزلها فرحا ولكن ما أن تخطي عتبة المنزل حتي جاءت سيارة مسرعة فصدمته ليلقي حتفه في الحال, وتأكدت لعنة فايزة بعد ان اختفي خطيبها الثاني في حرب الكويت والعراق حيث سافر إلي هناك للعمل بعد أن خطبها لتوفير نفقات الزواج ولكنه ذهب دون رجعة وقال أهالي الحي أن ذلك بسبب لعنة فايزة.. وقفت فايزة خلف زجاج النافذة ودموعها تسابق قطرات المطر المرتطمة بالزجاج شاردة تفكر في كيفية الخروج من أزمتها وفك عقدتها والهروب من حالة العنوسة التي تعيشها وفجأة تلمع السماء بالبرق ويدوي صوت الرعد, فتتداعي إلي ذهنها كدوي الرعد الاستجابة لفكرة جارتها( أم رزق) باللجوء إلي( الشيخة صباح) صاحبة الكرامات لفك عقدتها, وتختمر الفكرة في رأسها فتستدعي( أم رزق) وتسألها عن عنوان الشيخة صباح وتبدأ معها رحلة داخل دنيا الدجل والشعوذة, ومن خلف الزجاج المغطي ببخار الماء يتراءي لفايزة صورة فارس أحلامها السابق( رجب) بوسامته وشاربه المستقر تحت أنفه ليزيد من وسامته, وتتذكر عندما قابلته لأول مرة عند الشيخة صباح وهو يفتح لها الباب ويقودها للشيخة ويقدم نفسه باعتباره المسئول عن جلسات الزار للزبائن وتلبية رغبات( الاسياد) وتذكرت أيضا كيف أن تلك الزيارات تعددت وفي كل مرة يكون( للاسياد) طلبات تقوم بتلبيتها ما بين ذهب ونقود وذبائح وجلسات زار, وهي تقول لنفسها في كل مرة( كله في حب رجب يهون) وسرحت فايزة بذهنها إلي اليوم الذي ذهبت فيه إلي منزل الشيخة صباح فوجدت رجب وحده في المنزل حيث تلاقت العيون وتلامست الايدي بشدة ولمدة طويلة وتسارعت الأنفاس وقبل أن يلعب الشيطان بالرءوس وصلت الشيخة صباح, وتلاقت الشياطين, شيطان طمع الشيخة صباح مع شيطان جشع رجب حيث أحست الشيخة بلهفة فايزة علي رجب وبما يدور بينهما فقررت أن يكون هو فارس الرهان الذي تلعب به علي فايزة لاستنزاف أموالها مستغلة رغبتها الملحة في الزواج, فبدأت ترتب بينهما اللقاءات وتوصي رجب أن يطلب منها أموالا بحجج متعددة باعتبارها طلبات للاسياد, وفايزة تستجيب علي أمل أن يكون هو العريس المنتظر لتنفك عقدة عنوستها, وفجأة ينقطع هطول الأمطار فتتذكر فايزة كيف وبعد مدة شعرت بانقطاع الأمل في اتمام الزواج وكيف بدأ رجب يتهرب منها عندما طالبته باتمام الزواج أو إعادة الأموال الذي أخذها منها وكيف أن رجب خاف من تهديدها له فزين له شيطانه وبمساعدة الشيخة صباح أن ينتقم منها أولا باغتصابها حتي تخضع له ولا تطالبه بشيء, فانتظر ودبر وخطط وفي ليلة غاب عنها القمر استدرجها لحلقة( زار) في منزل الشيخة صباح وبعد الارهاق الذي نال منها وبعد ذبح الذبائح وتلطيخ الملابس بالدماء سحب رجب فايزة وهي نصف نائمة بفعل البخور الكثيف ودقات الدفوف إلي احدي الحجرات وحاول اغتصابها تنفيذا لمخططه الشيطاني للسيطرة عليها, لكن فايزة التي كانت لاتزال نصف واعية استطاعت أن تدافع عن نفسها وشرفها فاستلت مقصا كان في متناول يدها وغرسته في رقبته دون وعي منها فتفجر شلال الدماء من رقبته وتحشرج الكلام في الحلق فمات رجبب في الحال, ودخلت هي في الغيبوبة لم تفق منها إلا وهي في المستشفي وحولها حراسة شرطية تلاها استجواب النيابة لها وتحويلها بقرار اتهام إلي المحاكمة بتهمة القتل, حيث تم تداول القضية أمام محكمة الجنايات والتي انتهت إلي اعتبار فايزة ارتكبت جريمة القتل وهي في غير وعي دفاعا عن النفس والشرف, الأمر الذي دفع المحكمة لان تحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات, خرجت فايزة بعدها لتعود إلي مسكنها وتحاول أن تعيش مرة أخري مع أحزانها وتتعايش مع ما يطلقه عليها أهل الحي, انها لعنة الموت لكل من يتقدم للزواج منها, ومن خلف زجاج النافذة تشاهد فايزة المطر وقد توقف تماما والسماء أصبحت صافية وظهر القمر كاملا من بين السحب فتبتسم وتتذكر أن اليوم هو عيد ميلادها الثامن والأربعين ولا تزال عانس, وتتذكر محاولات الزواج الثلاث السابقة فتزداد ابتسامتها اتساعا وهي تردد مع نفسها الحمد لله أخيرا نجوت من تلك اللعنة لأنني تم عقد قراني أمس علي أسامة وتلمع عيناها ويزداد اصرارها علي التمسك بالأمل فتعطي ظهرها للشتاء الخانق وللمطر والبرق والرعد متجهة صوب مخدتها وهي تدندن وتغني للربيع( هليت يا ربيع هل هلالك)