لايكاد يجري فرض جولة جديدة من العقوبات الأمريكية أو الدولية علي إيران, حتي تبدأ مرحلة أخري, منها ماهو عسكري, ومنها ماهو اقتصادي لعل آخرها عقوبات أوروبية قضت بفرض حظر نفطي علي تلك الدولة. التي تعد خامس أكبر منتج للنفط في العالم.. وتبدو العقوبات مسلسلا لا ينتهي, وتبدو أيضا وكأنها اللعبة التي ارتضاها الطرفان بديلا عن الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة. ويشكل النفط الجزء الأكبر من دخل إيران القومي, التي تصدر أكثر من مليوني برميل نفط يوميا إلي دول أوروبية وآسيوية, وفي الوقت الذي يقول فيه البعض إن العقوبات قد تغير موقف طهران المتشدد بشأن البرنامج النووي, يشير البعض الآخر إلي أن مثل هذا الإجراء سيظل عديم الجدوي, بل وربما يساعد في تعظيم شعبية النظام الإيراني بالداخل ويرفع الروح الوطنية الفارسية. وفي هذا السياق مثلا, تبدو العقوبات الأوروبية بشأن حظر استيراد النفط الايراني مناورة سياسية أكثر مما هي اقتصادية, وذلك بهدف الضغط علي القيادة الإيرانية. فإيران علي سبيل المثال يمكن أن تبيع خاماتها البترولية إلي الدول الآسيوية الكبري وفي مقدمتها الصين التي لاتؤيد العقوبات وترفض عزل طهران اقتصاديا. وتقضي العقوبات الأوروبية الأخيرة بحظر استيراد البترول الخام والمشتقات النفطية من الدولة الإيرانية, وكذلك حظر نقل هذه المواد, إلي جانب فرض حظر علي أنشطة البنوك وشركات التأمين المرتبطة بهذا الأمر, وذلك مع الأخذ في الاعتبار استمرار العمل بالعقود المبرمة سابقا حتي12 من يوليو المقبل, مع إعادة تقييم الإجراءات الخاصة بقطاع البترول, وبمشتقاته قبل أول مايو المقبل. وتأتي عقوبات الاتحاد الأوروبي في أعقاب صدور قانون أمريكي وقعه الرئيس باراك أوباما عشية بداية العام الجديد يفرض عقوبات مالية جديدة تستهدف في الأساس قطاع النفط الذي يمثل90% من إجمالي صادرات إيران الي الاتحاد الأوروبي. ولأن الاتحاد الاوروبي هو ثاني أكبر مستهلك للنفط الايراني بعد الصين, فقد كانت الاعتبارات الاقتصادية عاملا اساسيا في استعدادات هذا الاتحاد لذلك الحظر في الاسابيع الاخيرة بسبب اعتماد بعض دوله بشدة علي النفط الايراني. فمثلا, تعتمد اليونان التي تقع في عين عاصفة أزمة ديون سيادية ضخمة وتستند في أزمتها علي مساعدات مالية من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي لتجاوز هذه الازمة علي إيران في الحصول علي ربع حاجاتها النفطية, وذلك بفضل شروط التمويل التفضيلية التي تقدمها طهران لأثينا, وقد بات عليها الآن أن تبحث عن مصادر بديلة. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن حظر الاتحاد الاوروبي للنفط الإيراني سيؤثر علي الامدادات بدءا من منتصف العام الحالي تقريبا مما يمنح العملاء مهلة لإيجاد مصادر بديلة. علي جانب آخر, تقف السعودية لتعلن استعدادها لتعويض السوق الأوروبية في مواجهة أي نقص ينجم عن حظر الواردات النفطية الإيرانية, ومن بينها السوق الإسبانية التي تتلقي10% من وارداتها النفطية من طهران. مساندة آسيوية ولكن في مقابل ذلك, تبدو مساندة اسيا للعقوبات الأمريكية والأوروبية ضرورية إذ أن المنطقة تشتري أكثر من نصف صادرات ايران اليومية من النفط الخام. ويقول وزير النفط الهندي جايبال ريدي إن بلاده تريد شراء ماتستطيع من النفط الايراني لأن الشروط المالية لشراء النفط الإيراني مواتية, وذلك في إشارة إلي سداد بلاده ثمن واردات نفطية من إيران بقيمة12 مليار دولار سنويا رغم العقوبات. أما روسيا التي تربطها بإيران علاقات تعاون اقتصادي نووي, فقد عبرت عن قلقها بشأن عقوبات الاتحاد الاوروبي الاقتصادية علي ايران, وقالت ان طهران لن تقدم تنازلات بشأن برنامجها النووي في مواجهة تصاعد الضغط الغربي, واعتبرت أن مايحدث هو بمثابة ضغط صريح ومحاولة املاء لمعاقبة ايران علي سلوكها العنيد. وأكدت روسيا التي لها حق الفيتو في مجلس الامن الدولي معارضتها لأي عقوبات اضافية بخلاف الجولات الأربع من الاجراءات العقابية التي اتفق عليها في المجلس خلال السنوات الاخيرة. وبينما ينطبق الموقف الروسي تقريبا علي الصين, قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مناشدة مباشرة لموسكو وبكين ساعدونا في أن نضمن السلام في العالم.. نحتاج لكم فعلا. وبالرغم من أن الولاياتالمتحدة لاتستبعد رسميا أي خيار تجاه إيران, فإنها لاتزال وعلي لسان رئيسه باراك أوباما تحاول بشتي الطرق جر طهران إلي مائدة التفاوض وحل الأزمة سلميا. وفي هذا الصدد يتكرر خطاب أوباما بأن الحل السلمي لهذه المسألة مازال ممكنا وأكثر من ذلك فاذا غيرت ايران مسارها ووفت بالتزاماتها فانه يمكنها الانضمام مرة اخري الي المجتمع الدولي. ايران تتحدي ولكن في المقابل, وبعد أيام من فرض الاتحاد الاوروبي حظرا علي النفط الايراني بدت لهجة إيران أكثر تحديا, وهددت مجددا بإغلاق مضيق هرمز حيث يمر أكثر من ثلث كميات النفط المحمولة بحرا. كما تتوقع طهران فشلا للحظر النفطي, معتبرة أن الاتحاد الاوروبي الذي عاني أزمة اقتصادية يحتاج الي النفط الإيراني اكثر من احتياج ايران الي تجارته. في هذا الصدد يقول وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي إن الاقتصاد العالمي ليس في وضع يمكن خلاله تدمير دولة عن طريق فرض عقوبات. كما تري إيران أن لديها الكثير من الوقت للاستعداد للعقوبات التي ستدخل حيز التنفيذ بعد نحو ستة شهور, حيث ستجد عملاء اخرين لشراء مانسبته18% من صادراتها التي تذهب حتي الآن إلي الاتحاد الأوروبي. وتلعب إيران علي عامل الوقت علي مايبدو, وتتوقع إلغاء الحظر قبل دخوله حيز التنفيذ, وتتوقع أيضا ارتفاع الأسعار بما يلحق أكبر الضرر بالمستهلكين في أوروبا, بينما تستفيد هي من تخزين المزيد من إنتاجها الذي قد لا يجد طريقا إلي السوق العالمية. وهكذا تتواصل اللعبة الإيرانيةالغربية, بالتصعيد إلي حافة الهاوية دون الوصول إلي مواجهة مباشرة بين الطرفين, وبدون أن يتحمل اي منهما خسائر حقيقية حيث تتحمل أطراف أخري التوابع بالنيابة عنهما, وفي مقدمتها الطرف العربي الذي عليه سد النقص في احتياجات الغرب البترولية وقيامه كرها أو طوعا بشراء مئات الآلاف من أطنان الأسلحة الغربية والشرقية بعشرات المليارات من الدولارات لتتحول بعد ذلك إلي جبال من الخردة الصدئة, وهو مايعني ضياع جانب كبير من الثروات القومية العربية هباء, هذا فضلا عن احتمال تحول أراضيه لساحة الحرب المقبلة التي قد يجر إليها العرب جرا.