الدكتور حمزاوي بتصريحه ذلك يحاول أن يضع معايير الولاء الجديدة لأعضاء مجلس الشعب. فالولاء من وجهة نظره لا يجب أن يكون إلا للثورة وتحديدا لميدان التحرير. ومن ثم يصبح من المنطقي القول إن من لن ينزل الميدان سيكون من وجهة نظر حمزاوي خارجا عن الشريعة وعميلا, أيام ويعقد مجلس الشعب جلسته الأولي. وبينما يعول الكثيرون أن يكون هذا الاجتماع بداية لتفعيل دور المؤسسة التشريعية واسترداد السلطة التشريعية من المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وبينما يتمني المصريون أن تكون تلك الجلسة إعلانا أو احتفالا بتشكيل أول مؤسسة من مؤسسات الدولة التي انهارت بعد ثورة يناير, فإن البعض يحاول أن يفسد ذلك الاحتفال, قصدا أو نفاقا للثورة التي لا يراها إلا في ميدان التحرير فقط. فمنذ أيام دعا عضو المجلس المنتخب بالنظام الفردي عن دائرة مصر الجديدة الدكتور عمرو حمزاوي إلي ضرورة أن ينزل الأعضاء المنتخبون إلي ميدان التحرير يوم الخامس والعشرين من يناير الجاري للاحتفال بالثورة ولتأكيد ولائهم لها. وبنظرة سريعة علي التعليقات التي أبداها مستخدمو الانترنت علي ذلك الخبر بعد نشره مباشرة يتضح حجم الاستياء من ذلك التصريح. ودارت التعليقات جميعها حول نقطة جوهرية ومنطقية للغاية, إذ وجد القراء أن عليهم تذكير حمزاوي أن من انتخب هؤلاء الأعضاء هو الشعب وليس القاطنون في ميدان التحرير, بل وجدوا أن عليهم أن يذكروه أيضا بأن الثورة لم تكن ثورة ممن هم في ميدان التحرير بل هي ثورة الشعب المصري بأكمله, وأن ولاء هؤلاء الأعضاء يجب أن يكون للشعب. وإذا كان ذلك الكلام منطقيا أو بالأحري ألف باء سياسة وانتخابات, يصبح التساؤل منطقيا أيضا عن سر تصريح حمزاوي وهو الذي يعمل استاذا للعلوم السياسية منذ سنوات, فهل غاب عنه ذلك المنطق؟. الاجابة بكل تأكيد لا, بل علي الأرجح سيؤكد حمزاوي عند مواجهته أنه لم يقصد ذلك مطلقا, فهو يعلم يقينا أن الشعب صاحب السلطات وصاحب الثورة الحقيقي. ومن المؤكد أن مثل ذلك التصريح الذي سيلقي آذانا صاغية كثيرة ممن يحاولون عرقلة مسيرة الدولة وتسليم مقاليد الأمور إلي مدنيين منتخبين طبقا للمسار الذي اجتهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة في وضعه, وممن يجاهدون بكل السبل لإبقاء جذوة الثورة متقدة, وفي تقديري فإن الدكتور حمزاوي يحاول عبر تصريحه ذلك مغازلة ولا أقول منافقة هؤلاء الذين اعترضوا وما زالوا علي إجراء الانتخابات التشريعية من أساسه. هو يحاول أن يقول لهم: إنه ما زال للعهد حافظا حتي وأن أصبح عضوا في مجلس الشعب. يحاول أن يجد طريقا أو آلية للجمع بين منطق الثورة ومنطق الدولة. يحاول أن يحافظ علي موطيء قدم له في ميدان التحرير الذي لفظه اخيرا. يحاول ذلك وهو يعلم جيدا أن الجمع بين المنطقين محكوم عليه بالفشل, الدكتور حمزاوي بتصريحه ذلك يحاول أن يضع معايير الولاء الجديدة لأعضاء مجلس الشعب. فالولاء من وجهة نظره لا يجب أن يكون إلا للثورة وتحديدا لميدان التحرير. ومن ثم يصبح من المنطقي القول إن من لن ينزل الميدان سيكون من وجهة نظر حمزاوي خارجا عن الشريعة وعميلا, ربما يطالب بإبعاده. وهنا نكون أمام عامل آخر لتقسيم مجلس الشعب بين موال للثورة فيصبح عضوا مميزا, وعضوا معارضا للثورة أو غير موال لها ويكون من المنبوذين. بتعبير آخر, يريد حمزاوي أن تمتد يد التقسيم والاستقطاب إلي مجلس الشعب, وهو الأمر الذي من شأنه أن يشل حركة هذا المجلس تماما, خاصة وهو يدرك أن الأغلبية ممثلة في التيار الإسلامي لن تستجيب علي الأرجح لتلك الدعوة, ومن ثم تكون مرة أخري في مرمي نيران ميدان التحرير. ومع ذلك فنحمد الله تعالي أن حمزاوي لم يدع إلي عقد الجلسة الأولي من جلسات المجلس في صينية ميدان التحرير, كما فعل الدكتور عصام شرف عقب تعيينه رئيسا للوزراء بأن ذهب إلي الميدان, الذي عاد وطالب بإقالته حماية للثورة. أخيرا, أرجو من الدكتور عمرو حمزاوي وكل من لف لفه أن يتمهلوا بعض الشيء قبل الإدلاء بمثل هذه التصريحات صونا لمصر العظيمة وحفاظا علي مكتسبات ثورة يناير. [email protected]