بينما احتفلت اغلب عواصم العالم براس السنة الميلادية الجديدة, احتفاء بميلاد سيدنا عيسي المسيح عليه السلام, احيا الشعب الفلسطيني ذكري انطلاقة ثورته التي فجرتها حركة فتح بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات اول يناير عام1965 م. ففي ذلك اليوم العاصف انطلقت المجموعات الفدائية الفلسطينية لتنفيذ اولي عملياتها العسكرية ففجرت نفق عيلبون, الذي استخدمته العصابات الصهيونية بغرض سرقة مياه نهر الاردن وتحويلها الي ارض النقب لبناء المستوطنات عليها. ان فلسطين عربية خالصة الجذور, وآثارها وقلاعها وحصونها القديمة تنطق العربية وهي ارض الرسالات, عاش فيها ابراهيم وولد فيها عيسي عليهما السلام, واليها اسري بمحمد عليه الصلاة والسلام, ومنها عرج الي السماء, لذلك فان الدفاع عنها لا يجب ان يقتصر علي الفلسطينيين وحدهم فتحرير فلسطين واجب قومي وديني وانساني واخلاقي بكل ما تعني هذه الكلمات من معان ففضلا عن كل الاسباب السماوية, فان قوانين الطبيعة, وحتي القوانين الوضعية, ترفض الظلم والقهر والاستعباد. لقد قامت الثورات الفلسطينية الواحدة تلو الاخري ضد الانتداب البريطاني والعصابات اليهودية منذ اعلان وعد بلفور المشئوم نوفمبر1917 م, فجاءت الثورة الكبري في يافا والقدس وعكا ومدن فلسطين, وثورة البراق مطلع العشرينيات وثورة عز الدين القسام في جنين منتصف الثلاثينيات والاضراب التجاري الكبير وهو اطول اضراب عرفه التاريخ المعاصر حيث استمر ستة اشهر, ثم جاءت ثورة1939 م, وظلت كذلك حتي انسحب الانتداب البريطاني ليلة14 مايو1948 م. كان المجاهدون الفلسطينيون بقيادة الشهيد عبدالقادر الحسيني قد استعادوا اغلب القري والمناطق الفلسطينية التي استولت عليها العصابات الصهيونية من الانتداب البريطاني بعد انسحابه, لكن تدخل الجيوش العربية لسوء الحظ بدلا من ان يكون دافعا وداعما للمجاهدين الفلسطينيين كان سببا في نكبتهم, واظننا لا ننسي صفقة الاسلحة الفاسدة والتي كانت احد اهم اسباب الهزيمة للجيش المصري, بينما جاءت الجيوش العربية دون تنسيق او تخطيط او ترتيب مسبق مع بعضها البعض او مع الثورة الفلسطينية. بعد النكبة اصبحت فلسطين تحت وصاية عربية, لعدم وجود قيادة فلسطينية حقيقية, وبدات الخطابات والهتافات تتعالي من حناجر الملوك والرؤساء العرب لرد الاعتبار واستعادة فلسطين الي حضنها العربي, كان ذلك يجب ان تتبعه ارادة وفعل للنهوض مجددا واسترداد الكرامة, لكن اولئك الحكام لم يفعلوا شيئا لذلك, قرر الفلسطينيون في يناير1965 م ان يستعيدوا زمام المبادرة, ويعلنوا ثورتهم المسلحة بعدما عجزت الانظمة العربية المبجلة عن فعل شئ يذكر بعد انتظار دام17 عاما, لكن الثورة الفلسطينية بقدر ما لاقت ترحيبا شعبيا عربيا والتي سارع الشباب العربي الثائر للانضمام اليها ودعمها بالاموال والانفس تعرضت للتنكيل ومحاولة الاجهاض والطرد والاعتقال والتعذيب علي ايدي هذه الانظمة الرسمية, ومع ذلك واصل الفلسطينيون كفاحهم العسكري والسياسي يحذوهم الأمل بشعوبهم العربية واصدقائهم في العالم لمناصرتهم. ثم جاءت هزيمة1967 م, فاجهزت علي ما تبقي من آمال الشعوب العربية في استرداد فلسطين, وصار الحلم باستعادة الجزء افضل من ضياع كل شئ, ولم تيأس الثورة الفلسطينية فواصلت مسيرتها بكل ثبات.. ما يدعو للاحباط حقيقة هو اصرار انظمتنا علي عدم الرد, بينما كانت المدافع والطائرات الصهيونية تدك بيروت والمخيمات الفلسطينية في لبنان دون حسيب, وكانت صبرا وشاتيلا شاهدة علي ذلك, حيث بقرت بطون النساء والحوامل وذبح الشيوخ والاطفال كالخراف, ثم جاءت قانا ثم جنين والخليل وبيت حانون ورفح وخان يونس وجباليا واخيرا حرب غزة2008 م, بينما الصمت المريب لازم القصور العربية طيلة العقود الماضية وبالمطلق! لم يكن الرهان علي ملوكنا ورؤسائنا العرب بقدر ما كان دائما وابدا علي امة الضاد التي حتما سيأتي اليوم الذي تستعيد عافيتها فيه! لقد راهنت الثورة الفسلطينية بقيادة حركة فتح منذ البداية علي الشعوب العربية, املا بتغير المناخات السياسية والاجواء والظروف تحت شعار الوحدة العربية هي طريق التحرير. والآن بعد ثورات الشعوب التي عمت العديد من البلدان العربية, ما احوجنا الي التكاتف والوحدة وما احوج الفلسطينيين الينا, لان الثورة الفلسطينية التي حلت ذكري انطلاقتها وميلادها ال47, تئن من وجع وآلام التشتت والانقسام الداخلي من جهة, ووهن الحال العربي من جهة اخري والذي اثر بالكاد علي استمراريتها وديمومتها. وعود علي بدء, فبعد عقود من الوهن والانتظار, اقول للثورة الفلسطينية في ذكري انطلاقتها: طاب الرهان علي الشعوب, لقد استعادت الشعوب روحها الوطنية وستستعيد روحها القومية وحانت اللحظة للانطلاق مجددا لبناء الانسان العربي, وهو دون شك سيعيد للأمة العربية كرامتها, وهيبتها, ثم الانطلاق مجددا لاستكمال طريق الحرية. كاتب وباحث سياسي