بات ضروريا أن نتفهم ونستوعب مضمون الرسالة التي حملتها المناورات الإيرانية في مضيق هرمز, وقد وصلت بالفعل إلي عناوينها عبر القارات بصرف النظر عن الجدل القائم حول قدرات الصواريخ الجديدة البعيدة المدي بعد نجاح طهران في امتلاكها.. الرسالة بداية لسياسة تقابل التهديد بالتهديد وليس بالدفاع وانتظار قرارات وخطوات العواصم العالمية ذات الصلة بالملف الإيراني, ولا يمكن الفصل بين مايحدث في مياه الخليج وبين حدثين بالغي الأهمية كان لهما التأثير الأقوي- حسب ظني- في الإسراع بالكشف عن طبيعة الترسانة العسكرية الإيرانية.. الحدث الأول يتعلق بالهجوم الأمريكي الأوروبي علي نتائج الانتخابات الروسية والاتهامات المباشرة بالتزوير فيها مما استدعي الرد الفوري علي لسان بوتين حينما قال: إن الولاياتالمتحدة لا تبحث عن حلفاء وإنما تريد أتباعا لها وموسكو لن تكون من هؤلاء!! أما الحدث الثاني فيرتبط بتطورات الأوضاع الساخنة والصعبة في سوريا وزيادة الضغوط من أجل رحيل الأسد الحليف الاستراتيجي لروسيا, والأكثر التصاقا بطهران سواء في السياسة المناوئة لواشنطن وأيضا باعتباره الظهير الميداني الفاصل بين إيران وإسرائيل, والعلاقة تبدو واضحة وجلية بين الحالة السورية ووجود حزب الله في جنوب لبنان وتهديده العلني والمتواصل العمق الإسرائيلي.. لكل هذه الأسباب المجتمعة جاءت المناورات الإيرانية في مضيق هرمز الدي يمثل قمة المصالح الأمريكية والأوروبية ولم يتأخر قادة طهران في الإعلان بصراحة عن وجود الخطط الجاهزة لإغلاق المضيق بل وصل الأمر إلي التحذير من عودة حاملات الطائرات الأمريكية إلي المنطقة مرة أخري.. هذه المواجهة السافرة والصفعات المتلاحقة التي تنالها السياسة الأمريكية في الخليج, خاصة بعد الانسحاب الإجباري من العراق تشير لحقيقة تحدثنا عنها طويلا وهي أن العالم يشهد أفول الهيمنة السياسية والاقتصادية لأمريكا, والتي سادت لعقود ماضية, والرسالة الإيرانية تمثل باكورة التمرد ضد النظام العالمي الذي تقوده واشنطن لحساب مصالحها فقط ومعها, اتباع ينفذون أوامرها وينتظرون الفتات من عطاياها ومساعداتها المشروطة. آن الأوان لمراجعة ضرورية لفحوي الرسالة حتي ندرك أبعاد التغييرات الجذرية الجارية علي الساحة الدولية وحتي نصل الي السؤال الكبير المتعلق بمستقبل السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة القادمة والتي يجب أن تعكس أهداف الثورة الشعبية الكبري في يناير ومن أهمها الكرامة الوطنية, ومصر الكبيرة لايمكن أن تظل أسيرة لضغوط ومساعدات خارجية مهما تكن مصادرها أو حجمها, ولن يمر وقت طويل علي اكتساب القدرة والإمكانية, لتوجيه رسائل مماثلة وبعيدة المدي من القاهرة لكل من يعنيه الأمر.