أكتب هذا المقال بحس مواطن مصري تنتابه مشاعر متضاربة, ولكن يغلب عليها الاحباط والحزن انطلاقا من حالة الاكتئاب العام التي تنتاب القطاع الأكبر من المواطنين, ولعل أدق وصف للحالة الراهنة أننا في حالة فوضي الإدارة. وتتجلي مظاهر تلك الفوضي في الشقاق بين بني الأمة وهو يعكس فوضي وضبابية في إدارة الشأن العام سياسيا واعلاميا واقتصاديا, فالمشهد العام يبدو وكأن كل طوائف المجتمع في حالة عراك وصياح يذكرني بتعبير حوار الطرشان الذي يعمق الانقسامات ويكرس تبادل الاتهامات, ومن مظاهر المشهد المصري الحالي الكم الهائل من الاراء المتضاربة والتحليلات وساعات البث وكلها تعمل بقصد أو من غير قصد علي تعميق حالة احنا وهمه, بين القوي السياسية وبعضها البعض, بين الليبراليين والاسلاميين, وبين السلطة الحاكمة والثوار, وبين الشعب والثوار وبين التحرير والعباسية وبين القنوات الفضائية وبعضها البعض. وبداية الخروج من هذه الأزمة, أن نتدبر بعقل هادئ في الأسباب التي أوصلت الجماعة المصرية لهذه الحالة, وبالتالي يمكننا نقدم رؤية تنقلنا من فوضي الإدارة إلي إدارة الفوضي, ولعل من هذه الأسباب: فقدان الثقة بين جميع الأطراف والاتجاهات السلبية لكل طرف تجاه الطرف الآخر, ورغبة بعض الأطراف في إقصاء أطراف أخري ومحاولة الاستئثار بمقدرات الوطن, وكذلك تنامي السلوك الانتهازي لدي قطاع كبير من المصريين والذي يعلي المصالح الشخصية علي مصلحة الأمة, الاكتفاء باقصاء رأس النظام دون التخلص من الجسد الفاسد للنظام وها نحن نعاني من لدغات فلول هذا الجسد الموجود في كل مؤسسات الدولة, ثم دور الإعلام المصري الذي أجج الخلافات وتبادل الاتهامات بالتشكيك والتخوين والعمالة وخاصة الفضائيات التي تستلم عقول ووجدان المصريين من المساء وحتي مطلع الفجر في ظاهرة غير مسبوقة في أي من دول العالم. نريد خارطة طريق للخروج من حالة فوضي الادارة, إلي إدارة للفوضي, وهذا يتطلب مجموعة من الإجراءات السريعة في فترة لا تتحاوز ثلاثة شهور, وذلك لتهيئة الأجواء لانتقال آمن وسلس للسلطة طبقا للجدول الزمني المعلن من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وهذا الطرح يتوافق مع الإدارة العلمية الرشيدة التي تنادي بالتخلص من المثبطات أولا, أي من العوامل المعاكسة التي تؤثر سلبا علي مسيرة التحول الديمقراطي, ثم بعد ذلك إضافة قوي دافعة جديدة, والأولوية الآن يجب ان تنصب علي المطلب الأول وهو التخلص من المثبطات لتنقية الأجواء وإزالة حالة الاحتقان واستعادة الروح المصرية الأصيلة التي سادت خلال ايام الثورة التي تعلي قيم التسامح والوطنية والمحبة والسلام وتغليب المصالح العامة, وحينها تكون البيئة المصرية العامة مهيأة لإضافة مبادرات وافكار جديدة تثمر كبذور في أرض طيبة وتنمو كشجرة جذعها ثابت وفرعها في السماء, وسأعود لهذه القوي الدافعة في مقال لاحق وعودة إلي الاجراءات العاجلة التي تنقلنا من حالة فوضي الادارة إلي ادارة الفوضي واقترح ما يلي: 1 ان يلزم الثوار الأحرار الهدوء لفترة ثلاثة شهور يسهمون خلالها بجهودهم ومبادراتهم الابداعية في البناء, ثم لهم ان يقيموا انجازات الحكومة خلال هذه الفترة طبقا لمفهوم الإدارة بالأهداف والمحاسبة علي النتائج. 2 خلال هذه الفترة ستتاح الفرصة لأجهزة الدولة كشف عناصر بث الفوضي من فلول وبلطجية ومموليهم, وبالتالي تشن وزارة الداخلية حملات مدعومة بالأجهزة الأمنية الأخري للإمساك بما تبقي من بلطجية ومثيري الفزع. 3 ان تمسك فئات المجتمع خلال فترة الثلاثة اشهر عن تقديم مطالبها الفئوية وتكف عن الاعتصامات انطلاقا من مسئوليتها الوطنية في تعزيز حالة الهدوء بما يسمح بعودة عجلة الانتاج وعندئذ ستلبي مطالبهم بسخاء. 4 سعي كل الأطراف الفاعلة إلي مصالحة وطنية حقيقية تقوم علي الثقة المتبادلة وتوسيع مساحة المشتركات. 5 واخيرا فإن علي وسائل الاعلام بصورها المختلفة وخاصة القنوات الفضائية ان تركز علي رسالة اعلامية مؤداها توحيد صف الأمة ونبذ الخلاف والعنف والإجماع علي كلمة سواء انطلاقا من مسئوليتهم الاجتماعية حيال هذا الشعب الذي يوفر لهم كل متطلبات البقاء والاستمرار. ولقد ظهرت بوادر مشجعة في الفترة الأخيرة, وهنا اشيد بمبادرة الأستاذ عمرو الليثي التي طرحها الأسبوع الماضي وتقوم علي بث مشترك للقنوات الفضائية الخاصة واقترح ضم القناة الأولي للتليفزيون المصري, وتكون هناك رسالة اعلامية ايجابية مفادها التوحد وإعلاء المصالح الوطنية العليا والترفع عن المنافسة الاعلامية المدمرة, وفي هذا فليتسابق الإعلاميون ويتجاوب المصريون. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان [email protected]