علي الرغم من أن موسكو هي التي بادرت بفكرة إنشاء رباعي الوسطاء الدولي للشرق الأوسط, إلا أنها لم تشهد أبدا اجتماعا وزاريا طوال سنوات عمل هذا الرباعي. ومن الواضح أن موقف روسيا الأخير من البرنامج النووي الإيراني دفع الغرب( أو الأطراف الثلاثة الأخري في الرباعي) إلي تقديم مكافأة لموسكو التي شهدت أخيرا, وبعد طول انتظار, لقاء للجنة الرباعية في18 و19 مارس الحالي, شارك فيه وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون ومبعوث الرباعية إلي لقاء اللجنة الرباعية في موسكو تمحور حولي3 أهداف رئيسية. الأول والأهم بالنسبة للولايات المتحدةوروسيا وأوروبا هو وضع الرتوش الأخيرة علي نص اتفاقية( ستارت 2) لتقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بين موسكووواشنطن. الثاني, تثبيت الموقف الدولي من البرنامج النووي الإيراني والتأكيد علي موقف روسيا بهذا الصدد. الثالث مناقشة مشكلة الشرق الأوسط وتمرير الخطة الأمريكية بإجراء مفاوضات غير مباشرة تمهيدا لمفاوضات مباشرة. فيما يتعلق بالنقطة الثالثة, طالب وزير الخارجية الروسي لافروف قبل اللقاء بيوم واحد ضرورة إصدار وثيقة تحوي أحكاما واضحة وقاطعة تؤكد كل قرارات المجتمع الدولي السابقة حول شروط وأبعاد المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الرباعية ستصدر في لقاء موسكو بيانا تؤكد فيه, بالتحديد, إدانة بناء إسرائيل وحدات سكنية استيطانية جديدة بصورة غير شرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. في هذه الأثناء صرح مصدر رفيع المستوي في الخارجية الروسية بأن مجموعة الرباعية هيئة تعتمد علي الحلول الوسط وروسيا عضو ضمن أربعة اعضاء. ويبدو أن هذا الكلام كان تمهيدا لاستقبال الموقف الأمريكي المتشدد الذي يعادي أي إلزام لإسرائيل. وبالفعل خرج البيان الختامي خاليا من وعود لافروف وبان كي مون. ناهيك عن أن وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان نسف نتائج اللقاء وتوصياته وبيانه الختامي قبل أن يبدأ في موسكو, عندما أكد أن الرباعية الدولية لا يمكنها أن تقوم بأي ضغفوط علي إسرائيل, لكن الأهم هنا هو قيام لجنة الوسطاء بتوجيه إدانة صريحة وعلنية إلي اسرائيل بسبب بناء وحدات سكنية استيطانية جديدة في القدسالشرقية, ودعا البيان إلي ضرورة وقف أعمال هدم المنازل وإخلائها من السكان في القدسالشرقية. وأشار إلي أن مسألة تحديد الوضع القانوني للقدس يجب أن يحل عن طريق المفاوضات, وعلي الرغم من أهمية كل ذلك, إلا أنه يبقي حبرا علي ورق أمام التصلب الأمريكي الإسرائيلي من جهة, والتشرذم الفلسطيني من جهة أخري. أما ترحيب اللجنة في بيانها الختامي بعقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو فكان مجرد مجاملة, أو ثمن لملفات أخري تري الولاياتالمتحدة واسرائيل ضرورة قيام روسيا بأدوار فيها, لكي تحصل علي دور في الشرق الأوسط, وكالعادة خلا البيان الختامي من أي آليات لتنفيذ ما يمكن ان نسميه توصيات. وبالتالي تبدأ العملية من الصفر كالمعتاد. وبالنسبة للنقطتين الأولي والثانية, وهذا هو بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا واسرائيل, تظهر معادلة أخري بمتغيرات أكثر حدة وخطورة, فبين التحذير والتهديد أعلن رئيس مجلس النواب الروسي بوريس جريزلوف ان المجلس لن يصادق علي المعاهدة الروسية الأمريكيةالجديدة بشأن نزع الأسلحة النووية إذا لم يشمل الاتفاق الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية, جاء هذا التصريح قبيل زيارة وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الي روسيا, وفي نفس اليوم أكد وزير الخارجية الروسي لافروف مجددا ان المعاهدة الروسية الأمريكيةالجديدة ستضم بندا يربط بين الأسلحة الاستراتيجية الهجومية والدرع الصاروخية, ويعتبر هذا البند ملزما قانونيا, بينما أعربت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن اعتقادها بعدم وحود صلة بين الأسلحة الهجومية والدفاعية. وقالت إن واشنطن مستعدة لمناقشة قضية الدفاع الصاروخي مع روسيا ورفضت الربط بين الأسلحة الهجومية والدفاعية في المعاهدة الجديدة. من المقرر ان تحتضن واشنطن في13 و14 ابريل المقبل قمة الأمن النووي ومن الصعب تصور نجاح هذه القمة أو خروجها ببيان أو نتائج ما في حال ما لم يتم توقيع معاهدة ستارت 2 أو علي الأقل الاتفاق النهائي علي صيغتها النهائية, معني ذلك ان هناك اتفاقا آخر لابد أن يتم بخصوص الربط بين توقيع المعاهدة وتجميد خطط واشنطن في شرق أوروبا, غير ان هناك طرفا ثالثا لهذه المعادلة المعقدة سياسيا وجيوسياسيا وعسكريا, ناهيك عن الجانب الاقتصادي المعقد لها, والمتعلق بالأزمة المالية العالمية وحجم الأموال التي ستنفق سواء علي الخطط الأمريكية, أو التي قد تخسرها روسيا بسبب تدهور العلاقة مع ايران, أو التي ستفقدها ايران من جراء فرض عقوبات عليها أو توجيه ضربة عسكرية اليها كل ذلك من جهة, وكذلك طبيعة العلاقة التي اتخذت طابع البرود في الآونة الأخيرة بين روسيا وإيران من جهة أخري, فمن الصعب ايضا تصور توقيع معاهدة ستارت 2 أو نجاح قمة الأمن النووي, أو حتي تجميد المشاريع الأمريكية في أوروبا الشرقية من دون تضمين العامل الإيراني الذي يلعب دور المتغير الرئيسي في تلك المعادلة المعقدة. قد يتم الاتفاق علي الصيغة النهائية لمعاهدة ستارت 2 من اجل إضفاء الشرعية علي قمة الأمن النووي, وقد يتم توقيعها, ولكن هل سيقرها مجلس النواب الروسي في حال عدم تعرضها للدرع الصاروخية الأمريكية؟! وماذا بشأن المتغير الإيراني, والشريك الصيني الذي يختبئ وراء ظهر لاعب السيرك الروسي؟!