ما جدوي الكلمات.. حديث الأعين.. تعانق النبضات.. نظرات الجرحي والثكلي نسائم تهوي علي ورق الأشجار اليابس حفيفها.. هل يعيد الأمل في الاخضرار؟ همست بصوت مختنق من أثر البكاء: لم يعد هناك غيرنا.. لقد قتلوا الجميع.. ليتنا لم نخرج معا ونتركهم. نظر لها بحنان.. كان يشعر بها.. الألم يعتصرها.. فطوقها بذراعيها وقال: وماذا كان علينا أن نفعل.. لا عليك.. لم ترد.. وكيف تفعل.. والقذائف تتوالي علي أرضها.. وكل يوم يسقط شهيد والأرض احمر لونها بعد الخضار.. وتعكر الجو بعد الصفاء. لم تعد الدموع تجدي.. فتكلمت: ماذا يريدون.. قتل كل جميل في الحياة.. لكنها لن تموت. توالت مرة أخري الانفجارات. توحدت الأيدي.. والدعوات.. تجاه السماء. قال: لن أصبر علي الجلوس هنا.. سوف أذهب أبحث عن الجميع. لن تجد أحدا.. أنا بحاجة إليك. رد بثقة: معنا الله.. إنهم بالقرب.. فلم يمت الجميع. لم ترد.. نظرت إليه وهو يذهب بعيدا.. كانت وحيدة.. بين الأنقاض صمتها دعاء.. وفكرها دعاء.. وخوفها دعاء تناهي إليها همس بعيد.. تلفتت بحثا عن الصوت المكان متهدم.. الأنقاض تواري الكثير تحركت بهدوء.. من أين يأتي هذا الصوت الانفجارات تتوالي.. وتزداد.. وتشتد. تشعر بألم شديد في جسدها.. ثم بسخونة في جسدها كله.. رأت دماء. لقد أصيبت.. لا يهم.. تحركت.. والإصابة تؤلمها.. وصلت إلي مكان الصوت يا الله.. طفل صغير.. لا يتجاوز السنة من عمره.. ينظر إليها بهدوء.. دمعاته لم تجف بعد.. جميل الوجه.. لفت يديها حوله.. احتضنته بلهفة.. وليدها الذي ترجوه.. لم تكن لتحبه هكذا.. نظرت إليه كاد يتكلم.. كاد يحكي مأساته ويبكي.. قتلوا الجميع وظللت أنا.. وحيدا حديثه القصير.. ردت عليه بقبلة وحيدة لا تملك غيرها.. إصابتها تزداد.. ألمها يشتد.. ضمت الطفل إليها.. بخوف وحب.. أقدام تقترب.. تعرفها جيدا.. لقد عاد.. نظر لها بحنان وقال: هيا إلي الجميع.. الكل في انتظارك هناك في أسفل.. مخبأ.. يجمعنا ولا يحمينا.. الحامي هو الله. رأي إصابتها.. فقال بقلق: ما هذا.. قالت بابتسامة واهنة: الحمد لله مازلت حية.. أشار إلي الوليد الذي بين يديها.. مستفهما؟ قالت: فلسطينالجديدة.. تحيا من تحت الأنقاض حمل الوليد بين يديه وقال القدس لن تموت ضمها في حنان.. حملها بين يديه وهي تحمل الطفل.. كلاهما بين يديه تخطي بهما الحطام.. والأنقاض.. كم يكره كل هذا.. نظر إليها وقال: أتعرفين.. أعظم ما أتمناه هو.. أنت وبيت صغير يجمعنا.. والحياة للقدس.. لكن الموت في كل مكان.. أخشي أن.. ثم صمتت لحظة وقالت: لن تهزمهم وحدك شعر بدمائها تسيل علي يديه.. انتابه القلق عليها.. امتدت يدها له عانقت أنامله.. ثم قالت.. فلسطين تحترق.. عدني يا حبيبي.. أن تعيد الحياة للأرض الجافة عدني.. أن النور لظلام الطريق عدني.. أن تعيد للوجود لفلسطين الجميلة عدني.. ألا تموت فلسطين.. نظرت إلي دمائها ثم إلي الوليد.. ثم قالت.. قد أموت ولكن لا يهم حسبي ألا تموت القدس. أحبك.. ولن تموتي.. ولن تموت فلسطين.. ثم ضمها إلي صدره بشدة كنت أحب أن أتزوجك قبل أن أموت ستكونين أجمل زوجة.. وسنتزوج.. والآن كيف وفلسطين تحترق.. كيف نحيا وسط جثث الشهداء نظرت له بوهن ثم قالت.. من المسئول.. قل لي.. كل من رآها تحترق ولم يغترف بيديه الماء.. قاتل كل ن رآها تحترق ولم يحمل فوق ظهره التراب.. قاتل إنها بحاجة إلينا جميعا.. وستحيا من أجلنا ونموت لتحيا قالت.. اتركني هنا.. ولكن خذ هذا الوليد معك.. فهو الحياة الجديدة.. قال.. لن أتركك وسنبني فلسطين معا.. وسنقهر العدو معا قالت.. كم أحبك.. وأحبك أكثر.. ولكن هل أعيش حتي نتزوج؟ بل ستعيشين حتي ترين أحفادنا علي أرض حرة جميلة يا حبيبي.. أحلم بغد أجمل لأولادنا بدأت تهدأ.. الجرح غائر.. الصمت طال.. الدماء تملأ يداه أرقدها في صمت.. قبلها.. احتضنها.. سقطت دمعاته في صمت احتضن الوليد.. قائلا: سيتحقق الحلم.. إن شاء الله.. ولن تموت فلسطين.. عزت أحمد يوسف الجيزة