أنا كل يوم أسمع.. فلان عذبوه أسرح في بغداد و الجزاير واتوه ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب وأعجب من اللي يطيق يعذب أخوه هكذا لخص عمنا جاهين ليلتنا في خيمة الأهرام المسائي بقلب الميدان, الهدوء لا زال يخيم علي بشر الخيام.. الالتراس في غفوة.. العيادات الميدانية كادت تخلو من المصابين والجميع في حالة نفسية مستقرة, وحلقات النقاش تدور حول اساطير محمد محمود ولون الدماء علي الاسفلت..ولسان حالهم يقول والله كانت ايام. منذ المساء علمنا أن البعض يحضر لتنظيم لجان استفتاء الميدان حول اسماء حكومة الانقاذ وكان القرار بأن يكون مقر الاقتراع عند مدخل مجمع التحرير.. استمارة الانتخاب كانت بسيطة وسهلة والاختيارات مفتوحة,وضع اسم البرادعي رئيسا للحكومة وعصام العريان واحمد السيد النجار وحسام عيسي ومحمد غنيم نوابا له, وتركت مساحات خالية ليعترض فيها الناخب علي اي من تلك الاسماء واخري ليقترح اسماء جديدة.. وهكذا انتهي ليل المليونية ومع دقة الساعة السادسة صباحا بدأ عزف الميدان لنوبة الصحيان..خمول وترقب وانتظار وخطوات بين مجمع التحرير الانتخابي وشارع مجلس الوزراء الذي شهد اعتصاما لرفض رئاسة الجنزوري لحكومة الانقاذ.. وتعالت بعض الضحكات والنكات فور وصول الأنباء التي اوردها التلفزيون المصري عن منع العاملين بالمجمع ومجلس الوزراء من تأدية عملهم ودخول هيئاتهم الحكومية.. في يوم عطلتهم الرسمية!! وحتي السابعة والنصف كان المشهد هادئا إلي أن ثارت جلبة بالقرب من مجلس الشعب, صافرة إنذار الكشافين ودقدقة الطوب علي اسوار الميدان تعلن اقتراب الخطر.. مصفحتا شرطة تقتربان من مجلس الوزراء وتحاولان فض الاعتصام.. بالقوة التي قيل انها لن تتكرر, هرولة سريعة الي مشارف شارع مجلس الوزراء كانت كفيلة برصد ما يحدث. مصور الدايلي تيلجراف الانجليزية يوثق هتافات المعتصمين ويسألني بم يهتفون لأجيبه انهم يطالبون الموجودين بشارع مجلس الوزراء بالعودة لميدان التحرير بهدف حقن الدماء. تتلاحق الاحداث ويبدأ محرك المصفحتين بالعمل لتقتربا من المعتصمين أكثر فأكثر, البداية.. قنبلة غاز مسيل, ثم يسحب سائق إحدي المصفحتين عصا الناقل لتشير الي الرابع وتمر علي جسد أحمد سيد سرور ابن التسعة عشر ربيعا, تنطلق الصرخات ويحمل الجسد الملطخ بالدماء الي خارج شارع مجلس الوزراء وتقله احدي سيارات الاسعاف والبادي أنه قد فارق الحياة. آهات وصرخات وعويل مدي يرج أركان الميدان مرة أخري ويوقظ الحنق الخامد داخل الصدور, ليرفع الالتراس علم مصر مرة أخري وتعود اجواء المليونية الي الجميع. سريعا تبدأ صلاة الجنازة علي روح شهيد المصفحة, وتشتعل المناقشات لنخترقها ونستمع الي حديثهم عن الانتخابات التي ستجري الاثنين. البعض يقول الاحزاب باعونا, والأحزاب كذلك ولكن دماء شهيد المصفحة ستجدد روح الاعتصام وستدعم مليونية غدا وآخرون يتساءلون عما سيقوله التلفزيون المصري حول احداث مجلس الوزراء, وهنا أقابلنانا الشاب المنضم الي التراس زملكاوي والذي كان قد ساعدنا في الدخول الي جبهة محمد محمود المشتعل لأسأله عن رأيه فيما حدث اليوم ويجيبني أنا كنت موجود..وأخذت صورة للشهيد, المصفحة مرت علي خصره وسقط علي الفور دون حراك حاول البعض اسعافه لكن النزيف كان شديدا وحول الوان فانلته الي اللون الأحمر وعظامه كانت مسحوقة تماما تحت عجلات المدرعة, ويضيف نانا.. الداخلية خدونا علي خوانة, وضربوا غاز علينا تاني ودهسوا الشهيد دون سبب اصطحبت نانا الي خيمة الأهرام المسائي بالكعكة الحجرية لأهدئ من روعه وأحاول مواساته.. ففاجأني بقوله أنا عارف انك ملحقتش تصور..أنا صورت الشهيد ووالدته, وهاديلك الصور لأنها أمانة..أرجوك انشرها عشان الناس تعرف اللي بيحصللنا ولأخواتنا,وتركني نانا وهو لازال يتأوه وقد اغرورقت عيناه بالدموع ولسان حاله يجيب المتعجبين من حالته قائلا.. يوم قلت آه سمعوني قالوا فسد دا كان جدع قلبه حديد واتحسد رديت علي اللايمين أنا وقلت آه لو تعرفوا معني زئير الأسد