عسكر.. عسكر.. عسكر.. ليه ؟!! إحنا في سجن ولا إيه؟! مدنية.. مدنية مش عايزينها عسكرية! اقتل خالد.. اقتل مينا, كل رصاصة بتقوينا! تلك كانت شعارات الميدان التي رفعها الثوار والتي جاءت صريحة واضحة قاطعة حاسمة مصرة ثابتة ردا علي البيان المتأخر الذي ألقاه المشير طنطاوي..! ما إن تطأ قدماك أرض الميدان ألا ويتسرب اليك احساس سرعان ما يتأكد بأنك أمام الثورة الثانية التي ربما تكون هذه المرة حقيقية واعية مدركة للأوراق السياسية والقوانين الدستورية, قادرة علي تفنيط الأوراق بشكل يستوقفك بل ويجعلك ترفع القبعة لهؤلاء القابعين تحت خيام هزيلة من القماش تحت برد الليل القارس ليسد جوعهم سميطة وحتة جبنة خاتمين وجبتهم بكلمة الف حمد والف شكر ليك يارب!! رائحة روح25 يناير وأخلاق الثورة والثوار تدخل صدرك دون أي استئذان.. عربيات الفول الصغيرة ومثيلاتها التي تبيع البطاطا الساخنة وطاولات بيع السجائر والبسكوت مع الهتافات الصارخة واللافتات التي تميزت بخفة الدم والتي تؤكد مايعرفه العالم عن شعبنا بأنه: ابن نكتة حتي في أحلك الأحوال وأكثرها صعوبة وخطورة تجده يسخرها لصالح الضحك والابتسام. وتدور الحلقات النقاشية في دوائر ما بين المعتصمين من الشباب والشيوخ والنساء وحتي الأطفال الذين بدأوا في الظهور بشوارع الميدان حاملين علم مصر ومحمولين علي الأكتاف أو غارقين في احضان امهاتهم اللاتي قررن ترك منازلهن للدفاع عن مستقبل اطفالهن. هاهي شلة شباب اتخذوا من الأرض دائرة ويبدوا علي وجوههم وملابسهم التي اتسخت بأنهم لم يعرفوا لبيتهم طريقا.. وهاهو صوت الشيخ امام يعود مرة أخري وكأن الرجل قام من تربته ليشارك في الثورة التي انتظرها طوال عمره فلم يلحق بها وها هي اشعار احمد فؤاد نجم تتردد في الميدان لينطق بها الثوار عاليا.. بلدنا في محنة.. نظامها دابحنا وواجبنا إحنا نصونك يا مصر بنادي علي كل واحد في مصر ندايا أنا لكل بيت مش لقصر مصر ياما يابهية يام طرحة وجلابية يا مصر قومي وشدي الحيل وهاهم شباب الميدان يعلقون علي صدورهم لافتة شهيد تحت الطلب لتكن رسالتهم وارادتهم واضحة ضد الخوف وضد المطاطي والمسيل وحتي ضد الرصاص الحي. علي أحد عربات الفول وجدتهم يأكلون بشهية مع البصل الأخضر والمخلل ويتبادلون أطراف الحديث عن الثلاثة الأمريكان الذين ألقوا القبض عليهم واكتشفوا ان في حوزتهم مولوتوف, اقتربت منهم وسألتهم جميعا ايه الحكاية؟ جاءت الإجابة منظمة بعيدة عن العشوائية والفوضي ليبدأ هذا الشاب حديثه قائلا لفت نظرنا ثلاثة أجانب عرفنا بعد أن تحدثنا معهم بأنهم امريكان قاطعته متسائلة وهل تجيد اللغة الانجليزية ؟ ابتسم بهدوء قائلا أنا صيدلي مش بلطجي زي مابيقولوا لذا أجيد الانجليزية وبالفعل هؤلاء الامريكان كان بحوزتهم مولوتوف وما أن عرفنا قمنا بتسليمهم علي الفور لرجل من الجيش يحمل علي كتفيه نسرا ونجمتين وانحصرت تساؤلاتهم لنا عن مطالبنا ولماذا لا يقاوم المتظاهرون رصاص الأمن وطالبونا بحمل السلاح من هنا ثارت شكوكنا وهذا ما جعلنا نقوم بتفتيشهم وتسليمهم للجيش. قطع الحديث أحد الشباب الواقفين قائلا لسنا بلطجية ولا حملة سلاح نحن نتظاهر ونطالب بحقوقنا بشكل سلمي وكنتاكي بتاعنا هو طبق الفول الشعبي المصري الأصيل أصل ماحيلتناش غيره. في يوم من الأيام هانحكي لأولادنا علي أمجادنا. كلنا إيد واحدة.. مسلم ومسيحي..علماني وليبرالي واشتراكي وكل حاجة, مدنية حرة وكفايانا بقي عسكر, تلك كانت لافتة عم عبده سالم العامل بورشة نجارة والذي قرر أن يكون من أوائل الواقفين في التحرير, بدأ حديثه معنا قائلا كفاية ظلم وذل وتخريب لعقولنا وزراعتنا وصناعتنا وسرقة وبيع ممتلكاتنا ومصانعنا كفاية قمع قنابل زهقنا مافيش جديد ولا تغيير وعاوز بقاي اقولك كلمة خديها مني.. اللي خلف ما متش!! إحنا الشعب الخط الأحمر..يسقط يسقط حكم العسكر..الشعب يريد رحيل المشير, تلك كانت مظاهرة درع النساء لحماية المتظاهرين, مجموعة من النساء اللاتي تركن كل اشغالهن وبيوتهن واطفالهن وكل مسئولياتهن ليرفعن شعار وهو البلد مسئوليتها أهم.. والوطن أغلي من الضني. ها هن يسرن وسط الميدان غير مباليات بأصوات الغاز والمطاطي المتناثر في كل مكان فقط لا يفرقهن سوي الافساح لسيارات الاسعاف التي تنقل الجرحي والمصابين للمستشفيات التي اكتظت عن أخرها.