ان تسمية المتعلمين اصحاب الشهادات العلمية بالمثقفين أو النخبة المثقفة هي تسمية غير صحيحة عند إطلاقها فالثقافة مقيدة بالمعرفة العامة مع رجاحة العقل وحسن التدبير الناتج عن الحكمة والتي هي وضع الاشياء في موضعها ومجمل. كل هذا يولد سلوكا حضاريا وأخلاقا سامية يسمو بها المثقف عن كل ما هو دنيء والثقافة تدعو إلي شعور المثقف بالمسئولية تجاه الآخرين الأمر الذي يجعله يبذل كل ما في وسعه لتهيئة المناخ والآليات والفضاءات التي تستقطب الإصلاحيين وتوحد جهودهم للنهوض بالمجتمع طبقا للمعايير الحضارية التي تلبي كل الاحتياجات الأساسية لبني البشر. والمثقف هو مصلح للفساد مقاوم للمفسدين وليس مشاركا ومعينا لهم فهو يتميز بالوعي والإلمام المعرفي بكل ما يدور حوله من ملابسات في كل قطاعات الحياة المعاشة مما يجعله محصنا من الاختراق الذاتي والتكيف مع الاوضاع الموبوءة التي تشهدها الساحة العالمية في جميع المجالات والتي تتناقض مع مشروعه الإصلاحي وبرنامجه الذي سطره ولذلك كان المثقفون قديما يسمون بالحكماء وكانت, لهم مجالس في سدة الحكم يستعين بها الحاكم في تدبير الدولة أو العشيرة أو ما شابههما, وهذا هو الوضع الطبيعي في الحكم الذي انبثقت معانيه من الحكمة, قال علماء البلاغة( ربطت التاء بالحكم فصارت حكمة) فلا يتولي الحكم إلا من كان حكيما ومن تولي الحكم فهو حاكم والحاكم هو الذي يفصل بين الحق والباطل وقد أدرك بعض الحكام القدامي عبر التاريخ هذه المسألة فكونوا مجالس الحكماء لإعانتهم علي الحكم وادرك اعداء الأمة والإنسانية هذه الحقيقة فابعدوا الحكماء وزرعوا حول الحكام بطائن السوء والجواسيس المجندين والمخترقين بسلاح المعلومة للوصول إلي الأهداف المرسومة بدقة ضمن المخططات المكرسة علي الشعوب المقهورة لإضعافها وتدمير قيمها. وقد أصبح سائدا الآن ندرة الحكماء واختفاؤهم بسبب انعدام الحرية في ظل انظمة الحكم الاستبدادي المتميز بالقهر والطغيان وفي عصرنا الحاضر اصبح سائدا ان المثقف هو صاحب الشهادة العلمية التي يحصل عليها عبر برامج التعليم المستندة علي المعلومة التي خطط الغرب للاستيلاء عليها ووجهوا بها طلاب العلم إلي الطريق الذي رسموه وهو من اكبر الأعمال التي قاموا بها علي مر التاريخ والتي اعانتهم علي السيطرة علي شعوب العالم وفي هذا الموضوع تفاصيل كثيرة ودقيقة لا يسعها المجال وانبثقت اغلب الايديولوجيات الفكرية عن الخط المعلوماتي اليهودي الذي رسم مسبقا لصناعة العقول والأذهان ضمن اهداف محددة عبر برامج هادفة واصبح كل من له شهادات, وهو منطلق من هذه الايديولوجيات يسمي مثقفا وزج بهؤلاء المثقفين الذين اخترقت أدمغتهم وكياناتهم حسب تخطيط دقيق المعالم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون في مراكز النخب في المؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية والإعلامية والسياسية بشقيها الموالي والمعارض والاقتصادية وغيرها من مجالات الحياة العامة وتمرير المخططات التدميرية في قوالب تبدو حضارية وهي السم الزعاف الذي تجرعته الشعوب والذي أوصلها إلي الحالة الراهنة التي نراها عليها اليوم وهي غنية عن التعريف والتفصيل. ولسائل ان يسأل كيف استطاع النظام الاستبدادي الوصول إلي تحقيق كل المخططات الواردة في برنامج الهيمنة الغربية علي الشعوب لسجنها وإدارة كل مقومات حياتها وتدمير ركائز نهضتها ونموها وتطورها الحضاري بمفهومه الصحيح وبأي وسائل حقق هذا النجاح المؤقت رغم طول أمده إلي عشرات السنين؟ والجواب علي هذا السؤال هو انه استعان بفرسان الحركة الثقافية والتعليمية الذين صنعت عقولهم واذهانهم في ثكنات الثقافة والتعليم الذي كان يشرف علي توجهاتهما بالكامل البنك الدولي والمؤسسات التابعة له والذي لايعرف حقيقتها إلا الذين استعصت عقولهم واذهانهم عن الاختراق المعلوماتي فمعالجة هذه المسألة تتطلب حكمة بالغة من أهل الإصلاح والرشاد فجزء من هؤلاء النخب كما يسمونهم لهم من الطاقات والخبرات العالية التي يحتاج اليها المجتمع في كل المجالات غير انهم محتاجون الي التخلي عن انتماءاتهم وأيديولوجياتهم وقناعتهم الذاتية الخاطئة والتي اثبتت إفلاسها ومحاولة فهم اللعبة الخبيثة التي تدور في العالم ضد الإنسانية جمعاء وأنهم أداة من أدواتها التي تحركها بالاختراق قوي الهيمنة والاستبداد المعروفة والخفية الظاهرة التي تحكم العالم وهي تسير به نحو الهاوية فما قيمة المكاسب التي تحصلوا عليها بانخراطهم في هذه اللعبة القذرة التي جلبت الدمار والحرمان والشقاء للبشرية وهم راحلون عما قريب عن هذه المكاسب وتاركونها وراء ظهورهم ليواجهوا جزاء محترما علي مافعلوه طوعا أو كرها بفهم وبدون فهم لان موقعهم لايحتمل الغفلة فان كانوا يعملون فهي مصيبة وان كانوا لا يعملون فالمصيبة اعظم فالعقل السليم للمثقف يجب ان يوجهه الي نفع البشر لان أحسن الناس هو انفعهم للناس وقد لايفوتهم أن لديهم فرصة من اعظم الفرص بان يرقوا بأنفسهم الي مجتمع النفع والخير والعزة والكرامة والحرية والرجولة والشهامة والنبل وسمو الهمم والرقي الحضاري ولقد أتاحت لهم قومة الشعوب المقهورة التي بدأت تكسر اغلالها لتفتح لهم أبواب الإصلاح التي كانت مغلقة لبناء المجتمع الحضاري الإنساني وإعادة ترتيب البيت الداخلي لهذه الشعوب علي أسس العدل والحرية والنماء والرخاء, التخلص من اليات التدمير المجتمعي لمقومات العباد والتي سببتها سطوة المشروع الافسادي الغربي عليها. ومن هذه المنظومة الثقافية يتخرج الحاكم الحكيم والذي ستكون مهمته صعبة جدا لأنه ورث مجتمعا دمر الاستبداد كل مقوماته ومسخ هويته وعصف بأخلاقه وأربك ساحة بنائه الحضاري وفتح فيه الأبواب علي مصراعيها لمخططات الأعداء تدمر كل شيء اتت عليه وقد تمركزت الياتهم في المفاصل والمقاطع الحساسة للمجتمع وهو الأمر الذي يفرض علي الحاكم ان يكون في مستوي المهمة العظيمة التي أسندت اليه فهو ذو شخصية متميزة عالم بعلوم عصره محصن ضد الاختراق الذاتي بخبرته ووعيه وأخلاقه وصاحب دراية كاملة بما يجري من أحداث في العالم. يعينه علي هذه المهمة الصعبة الرشداء الحكماء الملمون بخطط الإصلاح المجتمعي والذين تمكنوا من فهم خفايا المشروع الاستبدادي الافسادي وتعمقوا في فهم خططه الظاهرة والخفية وفهم مصادرها والياتها وتكتيكاتها وملابساتها ومواطنها ومعسكراتها وأسلحتها السلمية الصامتة والناعمة وذات الدمار الشامل في المحيط المجتمعي وفنيات مستعمليها ووسائل الاختراق والتجنيد المباشر وغير المباشر وتقنيات الواقع المفروض وكلها أسلحة سلمية فتاكة استعملت في تدمير المجتمع ركبت بطريقة معقدة لايمكن للمصلحين ان يحققوا اي نجاح إذا كانوا يجهلون ماهيتها في ارض التدافع التي ملأها الاستبداد بالألغام والأشواك لأنه كان يحارب وحده في أرض المعركة ولمدة طويلة وقد دمر بشراسة كل مقاومة لسطوته حتي جاءت القومية التونسية المباركة لتطيح بمدير السجن العام الذي سجن الغرب فيه الشعب التونسي وتفتح جزءا من أبوابه لحركة الإصلاح التي تتطلب فطنة ودراية وخطة إصلاحية دقيقة المعالم لتبطل آلية نفث السم في رأس الأفعي الغربية ولا يتأتي هذا إلا بمجهودات هؤلاء الحكماء الرشداء الذين ستفرزهم الية الفرز والتدقيق الوطنية بمواصفاتها التنموية والحضارية وتقنياتها الحديثة التي تمكنها من الإلمام المعرفي بأحوال الناس وقدراتهم وأخلاقهم وتوجهاتهم نحن شرحنا بعضا من الخاصيات التي يجب أن يكون عليها الحاكم ومعاونوه لأننا نريد لثورة تونس أن تكون نموذجا للإصلاح العام في سجل انعتاق الشعوب وتطورها الحضاري ونحن ليس لدينا خوف من هذه الحركات الالتفافية والمؤامرات التي تحاك الآن لثورة تونس فهي إلي زوال تحركها قوي الهيمنة والاستبداد العالمي عن طريق مجنديها المخترقين للمحافظة علي مواقعها التي استغرق بناؤها عشرات السنين فهي تحاول الإبقاء علي هذه المواقع الظاهرة والباطنة التي حافظت عليها من قبل ونجحت في تغيير لون الاستعمار الي ماهو ابشع وأوهمت الشعوب بما يسمي بالاستقلال وسجنتها في سجون موسعة أذاقتها فيها الأمرين عشرات من السنين الي أن جاء اليوم الذي كسر فيه الشعب التونسي أسوارها وبدأ يسترد حريته وكرامته وهويته ويتقدم نحو الانعتاق الكامل. وأوجه النداء الي النظام الاستعماري الغربي بان يسحب آلياته واسلحته السلمية ويوقف برامجه وجواسيسه ومجنديه ويكف عن عرقلة الثورة فان أهل البصائر يعرفون جميع تفاصيل مخططاتها وسوف لاينفعه الالتفاف لأنه سوف يخسر المعركة الثانية كما خسر الأولي التي كسر فيها الشعب باب سجنه