هذا عنوان كتاب صدر في أمريكا عام1953 للصحفي الأمريكي الفريد ليلينتال(1913-2008), وأعيد طبعه في عام2003, أي بعد خمسين عاما من صدوره. وقام المؤلف, وقد شارف حينها التسعين عاما من العمر, بكتابة مقدمة ثانية للكتاب, أعاد فيها ما كتبه من قناعاته الأولي وزاد عليها. وليلينتال صحفي أمريكي يهودي الديانة, درس الحقوق وتقلب في بعض الوظائف في وزارة الخارجية الأمريكية, إلا أنه سرعان ما احترف مهنة الصحافة وكتب في كبريات الصحف الأمريكية. وقد بدأ الكتابة عن الحركة الصهيونية ومشروع دولة إسرائيل بمقال في الواشنطن بوست في عام1946, وقف فيه موقف العداء من المشروع الصهيوني لإقامة' دولة لليهود فقط' في أرض فلسطين, وفي عام1949 كتب مقالا أخر في مجلة ريدرز دايجست بعنوان' راية إسرائيل ليست رايتي', تلاها بزيارة لمنطقة الشرق الأوسط كان من ثمارها هذا الكتاب. وأهمية كتابات ليلينتال أنها قدمت للرأي العام الغربي الحقائق الغائبة أو المسكوت عنها لأهداف استعمارية ومصالح استراتيجية, ويعتبرها الثمن الذي يدفعه الفلسطينون و العرب كل يوم, ويدفع ثمنه الأمن العالمي بل واليهود أيضا يدفعون ثمن هذه المغامرة غير العقلانية. فعنده أن المعوق الأساسي للسلام في الشرق الأوسط لا يتمثل في النضال الفلسطيني الذي يسميه الغرب إرهابا, وإنما في طبيعة الدولة الإسرائيلية نفسها لأنها دولة غير طبيعية كونها دولة بدون دستور أو حدود. وهذا هو لب المشكلة وهذا هو المعوق الأساسي للسلام بالمنطقة. وأهم أفكار ليلينتال التي نراها تتفاعل علي الأرض الآن هي تلك التي تتعلق بيهودية الدولة الإسرائيلية, فوفقا للمفهوم الصهيوني فإن دولة إسرائيل هي' وطن قومي لليهود' وهو ما يعني أن لليهودي مقام المواطن الأول ولا مكان لغير اليهودي في مثل هذه الدولة. هي إذن دولة عنصرية بامتياز وهي أيضا تمثل تهديدا لنموذج الدولة الحديثة وللتقاليد الديمقراطية الغربية, والأخطر من ذلك أنها تؤسس للاستقطاب الديني في المنطقة كونها دولة دينية, وبهذا الشكل تمثل خطرا علي النموذج الغربي في الحياة. والحقيقة ان مخاوف الرجل تحققت أمام أعيننا في السنوات الأخيرة, فعلي طول القرن الماضي سيطر إصرار هذه المجموعة من الصهاينة وخلفهم من خلفهم من أصحاب المصالح الاقتصادية والثقافية علي مقدرات المنطقة, ودمروا العلاقات التاريخية الطيبة التي كانت قائمة بين اليهود وغيرهم في منطقة الشرق الأوسط, وحولوها إلي أكثر المناطق إضطرابا علي مستوي العالم. والآن نري أمام أعيننا هذه الدراما السخيفة التي تسمي الاستيطان, والتي يتعامل معها الجميع وكأنه لا يوجد قانون دولي يمكن الأحتكام إليه لحلها. فلا أعرف كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يبرر هذه البلطجة الإسرائيلية بالسيطرة علي أرض القدسالشرقية والبناء فيها ورفض الخروج منها, ثم استفزاز مشاعر الملايين من المسلمين ببناء معبد يهودي في حدودها دون اكترا ث لما قد يثيره هذا السلوك من غضب ومقاومة مشروعة. والآن نري عجز المجتمع الدولي عن تأمين إطار ما للتفاوض بين إسرائيل و ما تبقي من الفلسطينيين علي ما تبقي من الأرض الفلسطينية, بعد أن أصبحت الرغبات الإسرائيلية السخيفة هي التي تحدد ما يعتد به وما يغض الطرف عنه من القانون الدولي. والآن نري أمام أعيننا مرمطة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي أعلي المستويات ليس فقط برفض طلب وقف الاستيطان بل بالإعلان عن التوسع فيه في وجود نائب رئيس الجمهورية, نائب أعلي سلطة في أقوي دولة في العالم. والآن نري كيف إننا لم نقم بالجهد الواجب تجاه المتفقين معنا في الهدف من غير العرب وغير المسلمين, من أمثال ليلينتال. وكيف تحول نضالنا الحقوقي الذي يغذيه الحماس القومي والديني من أجل الأرض, كل الأرض, إلي جهاد من أجل المسجد الأقصي. كان علينا ألا ننسي أن هناك أرضا محتلة بغض النظر عن قدسية المباني القائمة عليها مسجدا كان أم كنيسة, كما جاء في تصريح الدكتور محمد سليم العوا في احدي الفضائيات حيت قال بأن الأرض بالنسبة لنا هي المقدسة وليس مبني المسجد الأقصي, لئن دمروه فسنبنيه مرة أخري. ثمن إسرائيل كان باهظا للعالم أجمع, وكان فوق الطاقة بالنسبة لنا سكان هذه المنطقة من العالم عربا وغير عرب, مسلمين ومسيحين. لكن أكبر الخاسرين هم اليهود, كون الدولة الوليدة لم تعطهم شيئا سوي الخوف الدائم من الغد المجهول, بعد أن زرع البعض منهم الكراهية في مليار من البشر المحيطين بهم من كل جانب.