ما أن مرت أيام شهر العسل حتي سافرت بصحبة زوجتي "فلورا" إلي دولة سنغافورة بطائرة تابعة لشركة مصر للطيران، بعدما أبرق إلي المستشار القانوني الخاص بعمي "زكريا" كيما أوافيه هناك في أقرب وقت ممكن لإنهاء إجراءات تسلمي الميراث الذي يخصني من عمي الراحل الذي وافته المنية في قصره الريفي الكائن وسط مزرعته التي خصصها لزراعة الزهور النادرة. وهناك وعقب وصولنا إلي رحاب ذلك البلد الجميل قررنا أنا وزوجتي القيام برحلة استكشافية في الأدغال القريبة الممتدة علي مدي البصر وبصحبتنا أحد خدام القصر عرفنا منه أن اسمه "شيما" القصير. وبعد مسيرة نحو الساعة هبط علينا الظلام وبدأت تخالجنا الهواجس. حينما لمحنا عند بعد ضوءا خافتا كان ينبعث من أحد الأكواخ القريبة. وتوجهنا من فورنا نحو مصدر الضوء فوجدنا أمامنا ثلاث فتيات سمراوات كن أشبه بفتيات الغجر في ريفنا القديم. وكان علي جبين الأولي شامة أشبه بالنجمة، وأما الثانية فكان حول ذراعها الأيمن طوق أشبه بالأسورة وكانت تجلس القرفصاء فوق الأرض، بينما انصرفت الثالثة بمجرد أن أرتنا. واستقبلتنا الغادة الأولي ذات الشامة بإبتسامة عذبة وقدمت لنا بعض الثمار، بينما دلفت الغادة الأخري إلي داخل الكوخ حيث أعدت لنا ثلاثة أقداح من الشاي الساخن. وبدا لنا أن الغادة الأولي ذات الشاملة كنت منجمة إذ لم تلبث أن روت لنا موجزا سريعا عن أحداث حياتنا السالفة، ثم امتنعت عن الحديث عن المستقبل، وأما زميلتها فجلست القرفصاء فوق الأرض وأخذت تحدثنا عن حكمة القدماء حتي بدا لنا من حديثها الشيق الهادئ أنها أحكم أهل الأرض قاطبة. وآن لنا أن نرحل بصحبة الخادم "شيما" فقمنا من مجلسنا وودعنا المنجمة والفيلسوفة ويممنا شطر قصر عمي وكل منا غارق في خواطره وعالمه الخاص. وعقب عودتنا توجهنا من فورنا أنا وزوجتي إلي شرفة القصر، بينما دلف الخادم عبر ممشي طويل إلي حجرة إعداد الطعام ليعد لنا الشاي وبعض الشطائر، وفوجئت بزوجتي "فلورا" تترك المقاعد والأرائك الكائنة بالشرفة جانبا وتجلس القرفصاء فوق الأرض. والأدهي من ذلك أني لمحت شامة أشبه بالنجمة علي جبينها، وأسورة تشبه الطوق حول ذراعها اليمني. وبدأت "فلورا" تتكلم بحديث الحكمة!!