علي مدار سبعة عشر عاما استمرت شخصيتا بوجي وطمطم تغرسان القيم في أذهان جيلين أو ثلاثة من أطفال مصر, منذ ابتدعها الكاتبان يسري خميس وشقيقه الشاعر شوقي خميس في ثمانينات القرن المنقضي. بعد هاتين الشخصيتين لم يوفق كتاب الأطفال في مصر في تقديم شخصيات تستمر بنجاح لهذا العدد من المواسم والأجزاء, وتنجح في تحقيق ذات الشهرة. وفي وقت متأخر من مساء السبت الماضي غيب الموت الكاتب والشاعر يسري خميس مبتدع الشخصيتين بعد معاناة مع المرض. ووسط عدد من تلاميذه وأصدقائه شيعت أمس( الأحد) جنازة الشاعر والكاتب المسرحي, من مسجد صلاح الدين بالمنيل بالقرب من جامعة القاهرة التي درس في أروقة كلية الطب بها منذ تخرجه فيها في ستينات القرن الماضي. قدم الكاتب الراحل للمكتبة العربية ترجمات عديدة من المسرحيين الألماني والفرنسي والتشيكي( من أبرز مترجمي كافكا), وكان أول من قدم المؤلف المسرحي الألماني الشهير بيتر فايس مبتدع المسرح التسجيلي إلي خشبة المسرح العربي, كما كان من أبرز مترجمي أعمال المسرحي الالماني الأشهر برتلود بريخت( بريشت) للمسرح العربي. بدأت الرحلة الإبداعية للجراح د. يسري الذي هجر الطب ليتفرغ للأدب في ستينات القرن الماضي بتقديم عدد من الاعمال المسرحية المترجمة للالماني برتلود بريخت, وأتبعه بتقديم أشهر عملين للكاتب الالماني بيتر فايس مبتدع المسرح التسجيلي( مارا صاد, وأغنية الغول) ليلتقط المخرج المسرحي الكبير أحمد زكي نص أغنية الغول ويقدمه في واحد من اشهر الاعما المسرحية التي قدمت علي خشبة المسرح المصري. وأعيد تقديم النص نفسه عدة مرات عبر فرق قصور الثقافة المختلفة المنتشرة في أنحاء متفرقة من مصر. وحصل خميس عام2010 علي شكر خاص وعضوية فخرية في جمعية بيتر فايس العالمية باعتباره واحدا من أهم مترجميه. ألف يسري خميس للمسرح المصري عدة أعمال تنطلق من ذات الأرضية( التسجيل والتوثيق), وكان آخرها عمله المسرحي فضيحة ابو غريب, الذي نشرته سلسلة نصوص مسرحية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة قبل عامين, والتي استخدم فيها الكاتب الراحل نصوص التحقيقات في جريمة تعذيب المعتقلين العراقيين بسجن أبو غريب منذ بدء الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق ليقدمها عبر دراما مسرحية. كما قدم الكاتب الراحل عدة مسرحيات للأطفال كان آخرها في مؤتمر الحيوانات التي استضافها مسرح العرائس عامي2008 و2009 وبنجاح كبير. وقدم يسري خميس للعربية خمسة دواوين شعرية تنتمي لقصيدة النثر وهي قبل سقوط الأمطار وطريق الحرير وأساطير مائية والتمساح والوردة, وكان آخرها ديوان ممر الأفيال الصادر عن سلسلة ذاكرة الوطن بالهيئة العامة لقصور الثقافة العام الماضي. وفي حوار أجرته معه الأهرام المسائي العام الماضي بمناسبة صدور ديوانه الأخير قال يسري خميس: الكاتب لا يمكنه أن ينعزل عن شرطه التاريخي, فليس من الممكن أن يكتفي الشاعر بتقديم تهويمات رومانسية, في الوقت الذي ينهرس فيه شعبه مع كثير من شعوب العالم تحت أقدام أفيال ضخمة تسيطر علي ما يسمي بالنظام العالمي الجديد. وقال: منذ كتبت قصيدتي الأولي مراهقا عقب العدوان الثلاثي علي مصر, اتخذت ما يشبه القرار غير الواعي وقتها بأن تنطلق جميع أعمالي من الواقع الوطني, وعيا مني بالتاريخ. ويضيف: ليست السياسة هي ما يشغلني, وإن بدا ذلك علي السطح; ما يشغلني هو اللحظة التاريخية وتجلياتها الإنسانية علي مستوي الفرد والمجتمع.. ككاتب لي موقف من الأشياء والأحداث, وأنا أكتب انطلاقا من هذا الموقف, سواء كان ما أكتبه شعرا أم مسرحا, أو حتي ترجمة لأعمال مسرحية عالمية, أتخير منها ما يناسب مصر باعتبارها هي شاغلي الأساسي والأول.