جلست الاخصائية الاجتماعية لمؤسسة دار التربية الاجتماعية بدمنهور بمكتبها شاردة الذهن تفكر في مصير الطفل محمد8 سنوات والذي رفضت جدته تسلمه لعدم قدرتها علي حمايته من بطش والده المدمن الذي أبي الطفل أن يعود اليه.. واعتذرت عمته عن عدم استضافته لعدم قدرتها علي اعالته, ولم يعرف عنوان والدته التي تركته هو ثلاثة اشقاء مع أب غير أمين علي تربيتهم وخلعت وتزوجت من آخر.. وبين كل هذا لوائح المؤسسة التي تمنع احتضان الطفل البريء لا لسبب الا لكونه غير متهم بارتكاب جريمة أو صدور حكم قضائي واجب التنفيذ وبدأت الأخصائية في وضع سيناريو لطفل مشرد مستقبله غامض حيث سيصبح عرضة للانضمام لطابور المشردين أولاد الشوارع ليصبح محترف سرقة أو بلطجة لينتهي به المطاف في السجن. هذا هو التصور الذي دار في مخيلة الاخصائية الاجتماعية بعد أن قامت بتسليم الطفل محمد حلمي الي جدته في طنطا بمحافظة الغربية وذلك في نهاية جولة( كعب داير) بمحافظات القاهرةوالغربية والبحيرة, وتقول الاخصائية الاجتماعية إن قسم الشرطة قام بتسليم الطفل( محمدحلمي) للمؤسسة باعتبارها مركز( تصنيف ورعاية) للأولاد الذين ليس لهم مأوي بعد أن عثروا عليه تائها مشردا بشوارع القاهرة حيث استقر المقام بالطفل في المؤسسة باكيا وصامتا ورافضا الافصاح عن أسرته أو محل اقامته وأصبح طفلا مقيما بدون هوية الأسرة. وتمر الأيام ونتيجة للجهد الاجتماعي والنفسي الذي يبذله مدير المؤسسة والفريق الاجتماعي مع الطفل في جلسات الاستماع نجحوا اخيرا في استنطاق الطفل وتوالت اعترافاته التي ساعدت في تحديد هوية الأسرة, هذه الاعترافات تذكرتها الاخصائية الاجتماعية وهي في طريق عودتها بعد تسليم الطفل لجدته. فانهمرت دموعها حزنا علي هذا الطفل الذي جاء في اعترافاته أنه الأخ الأكبر لثلاثة أشقاء لأب يعمل باليومية في محطة بنزين بمدينة طنطا وأم ربة منزل ذاقت هي وأولادها كل أصناف الضرب والتعذيب من الأب الذي أدمن المخدرات بكل أنواعها من حشيش وبانجو وحبوب وكان يجبر الزوجة والابن الأكبر( محمد) علي احضار المخدرات له والتخديم عليه وعلي اصدقاء السوء من معارفه وحول المنزل الي(غرزة) لشرب الحشيش طوال النهار وفي النهاية بعد أن يذهب الحشيش بعقله يعتدي بالضرب والتعذيب علي زوجته واولاده حتي رفعت عليه قضية خلع وطلقت منه وتركت المنزل والاولاد وتزوجت وتركتهم وحدهم يعانون جحيم الأب الذي ظل يصب جام غضبه يوميا علي الطفل( محمد) بعد أن أجبره علي ترك المدرسة أيضا ليتفرغ لخدمة( الغرزة) وفي لحظة حنان استطاعت الجدة أن تهربه من المنزل وتسافر به من طنطا الي القاهرة حيث تعيش عمته بمنطقة المرج ليعيش معها هربا من جحيم والده, وخوفا من تهديد العمة له بأنها سوف تعيده الي منزل والده حيث العذاب والضرب ترك( محمد) منزل عمته وهام علي وجهه مشردا بشوارع القاهرة حيث عثرت عليه الشرطة ولم تستدل علي عنوانه والذي لم يفصح عنه(محمد) خوفا من أن يعود الي أبيه وقامت بتسليمه لمؤسسة دار التربية الاجتماعية بدمنهور باعتبارها مركز استقبال وتصنيف للأطفال المشردين لحين البحث والتحري لايجاد أسرهم وتسليمهم لهم. ويتطرق فكر الاخصائية الاجتماعية الي الجولة المكوكية التي رافقت خلالها الطفل محمد الي القاهرة والذهاب معه الي منطقة المرج والتنقل به من شارع الي شارع ومن حارة لحارة ومن زقاق لزقاق أملا في أن يتعرف الطفل(محمد) علي منزل عمته الذي عاش فيه فترة. وأخيرا وفي احدي حارات المنطقة تعرف علي أحد الأطفال مدعيا انه ابن عمته حيث تمت متابعته حتي وصل الي منزل عمته التي تعرفت عليه ولكنها رفضت تسلمه واعطت للاخصائية عنوان جدته في طنطا وهناك كانت الجولة الاخيرة حيث واجهت الاخصائية الجدة بموقف( محمد) وضرورة تسلمه لكن الجدة أكدت أن والده مدمن مخدرات ولايستطيع رعايته ولاتستطيع هي حمايته من بطش الأب, وطالبت باعادته الي المؤسسة ورعايته حفاظا عليه لكن للأسف ولأن هذا الطفل غير متهم في مخالفة للقانون ولم يصدر ضده أي حكم قضائي فلايمكن بحكم القانون أن يكون أحد نزلاء المؤسسة مما يجعل كثيرا من الحالات مثل حالة( محمد) لاتجد مكانا يعاد إليه لرعايته أو لاعادة تأهيله وادماجه مع المجتمع. وتتنهد الاخصائية وتنتقد تلك المواد القانونية المقيدة لحرية التعامل مع الحالات الانسانية مثل( محمد) وكيف سلمته لجدته وتركته بين نحيب الجدة وصراخ الطفل وعدم قدرتها علي أخذ قرار عودته للمؤسسة وهكذا أصبح الطفل(محمد) رهين أب مدمن للمخدرات وأم تركته للزمن وجدة لاحول لها ولاقوة وعمة لاتستطيع أن تعوله ومؤسسة تمنع قوانينها قبوله ليصبح( محمد) في النهاية( طفلا في مهب الريح)