بعد أن قدمنا في مقالنا السابق رؤية عامة عن واقع الإدارة المصرية ومشكلاتها في الفترة الماضية نبدأ في معالجة موجزة لهذه المشكلات, وليس بمستغرب أن يأتي علي رأسها غياب الصف الثاني وقهر القيادات الشابة. وهذه المشكلة تتعلق بتكريس هيمنة القيادات الحالية وحجب فرص التقدم للقيادات الواعدة من الشباب. ويمكن القول بأن النظام السابق قد رسخ مبدأ تولي قيادات فاسدة.وكبار السن ولكنهم أصحاب ثقة, مع التخلي عن تمكين الصف الثاني والثالث من القيادات الشابة, وقد أدي ذلك الي إقصاء أصحاب الجدارة, وحدث ذلك في كثير من المؤسسات حيث تم تدمير عدة صفوف تالية للصف الأول ومن ذاك حالات مصر للطيران والأجهزة المركزية ودواوين الوزارات والبنوك وبعض شركات قطاع الأعمال العام ومنها مثلا الشركة الشرقية للدخان. ومن مظاهر تلك المشكلة, كبر سن غالبية القيادات, هروب القيادات الشابة وعزوفها وانسحابها نتيجة الإحباط, تدني مستوي الانتماء, ظهور الصراعات المؤسسية بين الأجيال, وسيادة مناخ مؤسسي من عدم الثقة, ثم شيوع المستنقعات الراكدة الملوثة بالفساد الإداري والمالي والعفن الإداري والاتجاهات السلبية المناهضة للتغيير الايجابي. وهناك عدة أسباب لمشكلة تغييب الصف الثاني من القيادات الواعدة ومنها 1 مد سن الإحالة للتقاعد لكثير من القيادات الحالية بما يسد الطريق أمام القيادات الشابة ب قصور واضح في إعداد وتأهيل قيادات الصف الثاني من قبل المؤسسات نتيجة عدم ربط التدريب والتنمية بخطط المسار الوظيفي. ج عدم اهتمام المؤسسات بوضع خطط لتعاقب القيادات وغياب آليات موضوعية لاختيار القيادات بل تغلب أحيانا اعتبارات المحسوبية وتداخلها مع اعتبارات سياسية وأمنية غير رشيدة ومشبوهة د فشل مراكز إعداد القيادات الحالية سواء مركز إعداد القادة للقطاع الحكومي أومركز إعداد القادة لقطاع الأعمال العام حيث تقدم برامج تدريب روتينية تكرس هيمنة القيادات الحالية ومساعدتها في الترقي لمناصب عليا. ولم اجدها تقدم حزمة برامج متكاملة لإعداد القيادات الشابة. ه غياب نظم وآليات علمية لتقييم أداء القيادات الحالية وإن وجدت كما هو وارد في القانون5 لسنة1991 فهي عملية شكلية والأمور تسير بالدفع الذاتي ومتغيرات الزمن. و ولعل اهم هذه الاسباب هو تقاعس القيادات الحالية عن دورها في إعداد الصف الثاني من القادة البدلاء رغم أنها مسئولية مهنية وأخلاقية تفرض عليهم أن يتقاعدوا ومؤسساتهم في أحسن حال, كما أن علي القائد الحالي أن يدرك أن القائد المتميز هو الذي يصنع قادة آخرين. وتفرز هذه المشكلة بعض الاثار السلبية نذكر منها: هرم القيادات وحرمان المؤسسة من دماء جديدة و افكار و خلاقة للقيادات الشابة, ارتفاع معدل دوران القيادات الشابة وتركها المؤسسات الهرمة بحثا عن فرص في أماكن أخري, وكذلك استحواذ القيادات الحالية علي كل فرص التنمية مما يتسبب في انخفاض مستوي المساعدين والوكلاء والنواب وبالتالي تهميش دورهم وتكريس منظومة الرجل الأوحد, وكل ذلك ينعكس سلبا علي أداء المؤسسة وفعاليتها الكلية. لافساح المجال للصف الثاني وتقليص ظاهرة هيمنة القيادات الهرمة علي المناصب القيادية يمكن طرح عدة مقترحات منها: توقف الحكومة بوزرائها عن تمديد سن التقاعد لأي سبب أو لأي شخص, تركيز مراكز إعداد القادة علي تأهيل قادة الصف الثاني من خلال برامج واضحة تعتمد وتراقب من مجلس الوزراء, تحفير المؤسسات علي وضع نظم لتعاقب القيادات مع تكريم القادة الذين يسهمون في توفير فرص للقادة الشبان, إنشاء مراكز الاكتشاف المبكر للقدرات الادارية والقيادية كما يحدث في أمريكا وفرنسا, وأخيرا الاستفادة من بعض بيوت الخبرة المصرية ومنها المركز القومي لتنمية القدرات التابع للمجلس الأعلي للجامعات, وهو مركز متميز بإدارته غير التقليدية, وبه مدربون معتمدون دوليا, كما أنه بصدد عقد اتفاقيات مع مراكز ومؤسسات عالمية لتأهيل قيادات المستقبل. [email protected]