مصر جنة الله على الأرض.. منذ الأزل! قد يشحب جمال وجهها، وتترهل مبانيها ويخبو ضياء نيلها، ولكن تظل مصر هى مصر أم الدنيا، فيها حاجة حلوة! عندما تمشى فى القاهرة أيام رمضان تنبهر بسخونة أنفاس من الود والألفة تخترق وجدانك لتفرح.. هنا فوانيس بألوانها الزاهية على الأبواب، وهناك فوانيس أخرى ولو كانت من ورق، فهى تعلن عن وطن يعشق التميز والاحتفال بالمناسبات.. مصر فى القلب لا يمكن أن يسافر مصرى فى الخارج ولا يعد الثوانى للرجوع إلى خليلته وعشيقته بلاده.. العالم كله يحترم تاريخها وحضارتها وقبلهم جمالها. عبدالله بن عمرو قال: من أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثلها فى الدنيا فلينظر إلى أرض مصر! وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: إنه لما بعث محمد بن أبى بكر الصديق إلى مصر قال له: إن وجهتك إلى فردوس الدنيا! هنا أسأل: هل يعى ويقدر المصريون قيمة »أم البلاد« اسم مصر كما ذكرت فى الكتب السالفة؟! وأسأل ثانية: كيف يمكن لمصرى تربى على أرض الخير والجمال من فئة ضالة أن يجرح »أم الدنيا« سواء بجهل أو غباء؟! عن السؤال الأول أجيب.. كل مصرى أصلى يقدر بلده ويعشقها ويموت لتحيا مصر.. والتاريخ شاهد على ذلك والتاريخ الحديث يبرهن عن ذلك العشق فى حماية استقرار البلاد أيام »المريع العربي« ثورات قذفت بدول غنية مستقرة لها كيان وحضارة فى بحر مليء بالدماء والأوجاع والآهات وصراخ أليم من ضياع دول غالية علينا، ولكن لم ينتبه لها أهالينا.. إلا مصر بحمد الله وفضله لم يغفل للمصريين جفن طوال فوضى الثورات إياها.. لم يتخل المصرى عن »أم الدنيا« أبدًا وظل يحوطها بكل جوارحه حتى لا تُجرح.. ولا تتبعثر قوتها ولا يتشتت شعبها. إنه المصرى المثقف ثقافة متوارثة تتميز بجينات تاريخية لخصها المفكر المصرى الراحل ميلاد حنا.. بأنها تعنى أن كل مصرى غنى أو فقير متأثر بالزمان والمكان وأنه يحتضن فى شخصه ملامح التاريخ من العصر الفرعونى واليونانى والرومانى والقبطى والإسلامى متأثرًا بجغرافيا المكان وتفرده.. إنه الثراء الإنسانى الذى يملكه الوجدان المصري.. والآن مصر منذ أكثر من أربع سنوات تجاهد لتعيد بريق خير أمة أخرجت للناس.. وبدأ السيسى يزيح معوقات وموبقات سنين فاتت.. ولكن هناك معوقات تمكنت من شخصية كثير من المصريين فى حاجة ملحة لإصلاحها والأهم الجهل بالأولويات والأساسيات يزعج نور الثقافة ويفتح أبوابًا لجهل الإرهاب وتخلفه.. الإرهاب خلط قميء بين الحقائق والأباطيل ويزدهر على تراجع المعرفة الصادقة وتخبط التعليم وانحدار الإعلام.. ومن هنا لفت نظرى مقال الأنبا موسى »الدين.. العقل.. الثقافة« كتب عن أهمية أن يكون الإنسان مثقفًا ومن غير المقبول أن يكون الإنسان روحانيًا فقط، يفقد اتصاله بالعالم، والمجتمع، والفكر الإنساني! هذا تغييب للعقل، وتعطيل لقدرته على الشهادة لإلهنا العظيم. وفى سورة يس: »سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون« وسيظل الجهل هو الهروب من الحقيقة أو تجاهلها؟! الجهل يدفع إلى التعصب الرديء وأحيانًا المختفى حتى فى المجال الرياضى وليس الدينى فقط.. وهنا لا بد من محاربة الأمية بقوة وإرادة.. ألم تتمكن كوبا من القضاء على الأمية فى عام واحد.. ألم تنهض سنغافورة الفقيرة الموارد فى أقل من عشر سنوات بالإرادة والانضباط والقانون وقبلهم إعلام يملك ضميرًا وطنيًا مثقفًا فعلاً وليس سطحيًا.. وكما كتبت د.منى أبوسنة »التنوير بالبلدي«.. أن الإنسان المتنور جريء بيشغل عقله.. وربنا لا يحب الكسلان الذى يعتمد على غيره ودور الدولة الانتباه للرد على كل شيء يتخطى عقل الإنسان أو يربكه يلجأ لأهل الذكر والثقافة وليس لأهل الدجل والمصالح الشخصية وسؤال أهل الذكر ليس المقصود به الشيخ أو القسيس فقط لكن كل متخصص فى مجاله وكفاية بقى الفتاوى الجاهلة والحوارات المغرضة والآراء الكارهة!