نعيش فى هذه الأيام المباركات نَفحة وبداخلها نفحات كثيرة فالنفحة الكُبرى والنعمة العُظمى هى شهر رمضان وبداخله النفحات التى يجب على كلِّ مسلم أن يتعرَّض لها عسى أن يُرزق القبول والعِتق من النيران ومن بين هذه النَّفحات الليلةُ المباركة التى هى خَير من ألف شهر ألا وهى ليلة القدر قال تعالي: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن لله فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقي بعدها أبدا «ومن اجل هذه الأيام التى تفضل الله بها على الحبيب صلى الله عليه وسلم وأمته ليله القدر التى عبادتها وقيامها يعادل عبادة ألف شهر أى ما يقرب من 84 سنة. وحول فضل تلك الليلة وثوابها وكيفية الاستعداد لها فى البداية، يقول الشيخ حاتم إسماعيل عسل، من علماء وزارة الأوقاف أن الله تعالى تكرما منه وتفضلا على هذه الأمة المحمدية أن منحها ليله القدر لما فيها من الشرف والتعظيم والخير والبركة من الله تعالي وهى ليله تهبط فيها الملائكة من كل سماء ومن سدرة المنتهي وجبريل عليه السلام معهم يؤمنون على دعاء الناس وفيها أنزل الله تعالى القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا وأملاه جبريل على السفرة الكرام فى هذه الليلة ثم أنزل مفصلا بحسب الوقائع والأحداث فى ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى هذه المدة تلقى الرسول الوحى من السماء. وسبب نزول هذه السورة «القدر» كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون أخبار السابقين من الأمم فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلا من بنى إسرائيل حمل السلاح على عاتقه يجاهد فى سبيل الله ألف شهر فتعجب الصحابة من ذلك الرجل، خاصة أن أعمارهم ما بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك فكانت هدية السماء للأمة المحمدية أن أعطاها الله ثواب قيام ليلة واحدة ما يعادل عبادة ألف شهر فكانت خير من ألف شهر، لأنها ليلة فيها ميزة ليست فى غيرها وهى نزول الملائكة من السماء على العباد الصالحين فهى ليلة الحكم والتقدير وفيها يحكم الله على عباده ويكتب الأجر والثواب والآجال والأرزاق وكل الأقدار للسنة المقبلة لقوله تعالى «فيها يفرق كل أمر حكيم» لما ورد أن عُبادة بن الصَّامت سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، عن ليلة القَدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فى رمضان، فالتمِسوها فى العَشر الأواخر؛ فإنها وِتر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو فى آخر ليلة فمن قامها إيمانا واحتسابا ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يكثرون من سؤال النبى صلى الله عليه وسلم ليحدد لهم ذات الليلة حرصا منهم على تحصيل ثوابها العظيم وأجرها الكبير فحثهم على طلب المغفرة وقال خير الدعاء «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا». ويضيف «عسل» أن الله تعال أخفى عنا ليلة القدر لكى يجتهد المؤمن فى طاعة الله وعبادته والتقرب إليه ويكثر من التضرع إليه فى أيامها كلها وليكون على صلة دائمة بالله تعالي فإن الله تعالى يباهى ملائكته بعباده وهى تبدأ من بعد أذان المغرب حتى طلوع الفجر ويمكن للمسلم أن يستعد لها بتناول الإفطار ثم الذهاب للمسجد لقراءة القرآن وأذكار المساء والاستغفار والتسبيح وصلاة العشاء والقيام فمن صلى العشاء فى جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر فى جماعة فكأنما قام الليل كله «وبهذا يستطيع المسلم أن يدرك فضل هذه الليلة العظيمة. ويوضح الشيخ عبد الناصر بليح من علماء الأوقاف أن رمضان شهر البر والإحسان فيه تتضاعف الحسنات وترفع الدرجات وتكفر السيئات فعلى المسلم أن يغتنم فرصة هذا الشهر، بأن يستعد لصيامه وقيام لياليه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان صلوات الله عليه يجتهد فى رمضان ما لا يجتهد فى غيرة ويجتهد فى العشر الأواخر منه ما لا يجتهد فى غيرها، لما ورد فى شأن ليلة القدر هى ليلة الشرف العظيم التى قال عنها ربنا فى محكم التنزيل «إنا أنزلناه فى ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر »، فهى ليلة مباركة ذات قدر وشرف نزل فيها قرآن ذو قدر نزل به ملك ذو قدر على نبى ذى قدر لأمة ذات قدر، وهذه الليلة خير من ألف شهر أى هى فى العبادة والطاعة خير من عبادة 84 سنة تقريبًا. ورَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ» وفى هذا الحديثِ بِشارةٌ عظيمةٌ، مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِمَن وُفِّق لصيام شهرِ رمَضانَ كلِّه عند القدرةِ عليه (إيمانًا واحتسابًا) فالمرادُ مَن صامه تصديقًا بالأمرِ به عالِمًا بوجوبِه، خائفًا مِن عقابِ تركِه محتسِبًا جزيلَ الأجرِ فى صومِه وهذه صفةُ المؤمِنِ، فمَن صام رمضانَ على الوجهِ المطلوبِ شرعًا مؤمِنًا بالله وبما فرَضه اللهُ عليه ومحتسِبًا للثَّوابِ والأجِر مِن اللهِ، فإنَّ المَرْجُوَّ مِن اللهِ أن يغفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنوبِه. ويُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضلَ ليلةِ القدرِ وأنَّ مَن أحيَا هذه اللَّيلةَ المبارَكةَ بالصَّلاةِ وتلاوةِ القرآنِ، غفَر اللهُ له ذنوبَه السَّابقةَ - غيرَ الحقوقِ الآدميَّةِ، لأنَّ الإجماعَ قائمٌ على أنَّها لا تسقُطُ إلَّا برِضاهم، على أنْ يفعَلَ ذلك «إيمانًا واحتسابًا» أي: تصديقًا بفضلِ هذه اللَّيلةِ، وفضلِ العملِ فيها، وابتغاءً لوجهِ اللهِ فى عبادتِه، وقد وقَع الجزاءُ بصيغةِ الماضى (غُفِرَ) مع أنَّ المغفرةَ تكونُ فى المستقبَلِ؛ للإشعارِ بأنَّه متيقَّنُ الوقوعِ مُتحقِّقُ الثُّبوتِ، فضلًا مِن اللهِ تعالى على عبادِه نوهنا الحث على الإخلاصِ، واحتسابِ الأعمالِ. ويضيف «بليح» أن رسول الله كان يستعد لتلك الليلة ويقول التمسوها فى ليلة وتر فى العشر الأواخر من رمضان وكان صلى الله عليه وسلم «إذا جاء العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله» و هذا كناية عن الاستعداد لتلك الليلة المباركة فليلة القدر هى ليلة مباركة من شهر رمضان الكريم، يُنزّل الله فيها تعالى الملائكة، وينعم على عباده بالمغفرة والرحمة، وهى ليلة يسعى جميع المسلمين لقيامها بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء وورد دعاء ليلة القدر «اللّهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنا». ويرى أن، قال الله تعالي: (وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) من خلال وضع خطة مسبقا للاستفادة من العشر الأواخر واغتنام أيامهم ولياليهن فى طاعة الله تعالي، وتقسّيِم الوقت فلا يترك نفسه للظروف بل يحدد وقتاً معينا للذكر والتسبيح دُبر كل فعلٍ يقوم به، ودُبر كل صلاة، وقبل النوم وبعده. وصفها المولى (عز وجل) بأنها ليلة مباركة، لقوله تعالى: «إنا أنزلناه فى ليلة مباركة ...» ، وبنزول القرآن على المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه) أصبح سيد الأولين والآخرين، ورسول رب العالمين إلى الناس أجمعين؛ لذلك خاطبه المولى سبحانه وتعالى بهذه الآية «تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا»، وبعد نزول القرآن فى هذه الليلة صارت الأمة الإسلامية خير أمة.