استنكر الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون فى جامعة الأزهر عضو مجمع فقهاء أمريكا، الخبير بالمجمع الفقهى ومجمع الفقه الدولى، الاتهامات بأن الشريعة الإسلامية قاصرة وأنها غير صالحة لكل زمان ومكان، مؤكدا أن هذه الشريعة حوت تشريعات وآدابًا وأخلاقًا وسلوكًا وأحكامًا تنظم العلاقات بين الناس بعضهم بعضًا من جانب، وبين الناس وخالقهم من جانب آخر، وبينهم وبين من لا يدينون بدينهم من ناحية أخري، وأن التشريع الإسلامى يحمل فى طياته عوامل مرونته وتطوره وقابليته للتطبيق فى كل زمان ومكان. وقال خلال حواره إلي «الأهرام المسائى»: إن الإسلام دين الوسطية؛ حيث إنه قليل التكاليف، وإنه يجبّ ما قبله من المعاصى والشرك، وإنه خفف على هذه الأمة فيما يتعلق بعباداتها ومعاملاتها، مؤكدا أن الذين يغالون فى تطبيق منهج الله سبحانه وتعالى لا يفهمون وسطية الإسلام ولا منهجه، وإنهم دخلاء على مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالي، ولم يعلموا من الدين إلا صورته ولم يتبحروا فى دين الله تعالى. وأكد أن المذاهب الإسلامية كلها مذهب واحد يستند إلى التشريع الإلهى الذى نزل به الوحى على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن ما نشهده من اختلاف فى الظاهر، هو مجرد اختلاف فى تأويل هذا الوحى، كما تطرق الحوار إلى العديد من القضايا، وهذا نصه: بداية ونحن فى شهر رمضان نود التعرف من فضيلتكم على فضائل هذا الشهر المبارك ؟ وردت نصوص عدة فى الكتاب الكريم والسنة المطهرة تبين أن الله تعالى فضل بعض الرسل على بعض، وبعض الناس على بعض، وبعض البلاد على بعض، وبعض البقاع على بعض، وبعض الشهور على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الليالى على بعض، ومن الشهور التى فضلها الله سبحانه شهر رمضان، ومن النصوص التى بينت فضله: ما روى عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت أمتى فى شهر رمضان خمسًا لم يعطهن نبى قبلي: أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا، وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم فى كل يوم وليلة، وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدى وتزينى لعبادي، أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى دارى وكرامتي، وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا، فقال رجل من القوم: أهى ليلة القدر؟، فقال: لا، ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم»، إلى غير ذلك من النصوص التى تؤكد فضل هذا الشهر الكريم . وما قولك فى الصخب واللغو فى رمضان؟ دعا الإسلام إلى التحلى بمكارم الأخلاق، ورغب فى حسن الخلق فجعله سببا لدخول من يتحلى به الجنة، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائم عن سوء الخلق، وبين أنه لا يخلق به أن يفحش فى القول، أو أن يعلو صوته صائحا عند مخاصمة غيره، أو أن يقابل إيذاء غيره له بالسب أو الشتم أو غيرهما بمثله، وإنما ينبغى عليه إذا قصد بهذا الإيذاء أن يقول: «إنى امرؤ صائم»، مذكرا نفسه وغيره بما ينبغى أن يتحلى به الصائم من حسن الخلق. وماحقيقة تصفيد الشياطين فى رمضان؟ «الشيطان» تعريفه كل عات متمرد من الجن والإِنس والدواب؛ وقد روى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين مردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ومناد ينادى يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر»، وفى رواية أخرى «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب ونادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر»، ففى الرواية الأولى فسرت الشياطين بأنها مردة الجن، وهذا يقتضى أن الذى يصفد فى رمضان هم مردة الجن دون سواهم ممن يصدق عليه وصف الشيطان، قال ابن حبان: إنما أراد بقوله: وصفدت الشياطين مردة الجن منهم لا جميع الشياطين، إذ اسم الشياطين قد يقع على بعضهم، وأما الرواية الثانية فقد عطف فيها مردة الجن على الشياطين، من قبيل ذكر الخاص بعد العام، ووفقا لهذه الرواية فإن الذى يصفد هم جميع الشياطين، وتصفيد الشياطين على كلا الروايتين لا يقتضى منع وساوس الشيطان فى رمضان، إلا إذا كان للصائم رياضة ارتاضها لمنع وساوسه ودفع سلطانه، فإن لم يكن له ذلك فقد تجد وساوس الشيطان سبيلها إليه . هل توجد درجة أفضل من درجة الصيام ؟ نعم، إصلاح ذات البين، فهو مقصد عظيم من مقاصد الشارع، حض رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، بحسبانه منهيا للخصومات، ومشيعا للألفة والمودة والأمن بين الناس، وذلك مقصد تشريعي، روى أبو الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟، قالوا: بلي، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هى الحالقة)، وجاء فى رواية أنه قال: (هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)، وإذا كان إصلاح ذات البين له هذه المكانة السامقة فى الإسلام، فإن القائم بذلك له من الدرجات بقدر ما سعى إليه، وأجهد نفسه فى سبيل رأب الصدع، وإنهاء الخصومات، وأعظم ما يكون رأب الصدع بين أفراد الأسرة الواحدة، والمجتمع الواحد، لما يترتب عليه من وصل الأرحام، وإشاعة السكينة والألفة والأمن بين الناس. تحدثت عن إشاعة السكينة والألفة والأمن بين الناس، فما بال من يروع الآمنين؟ لقد حَرَّم الله سبحانه وتعالى ترويع المسلم وإخافتَه، سواء كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل، وسواء كان على سبيل الجد أو اللعب، فقد رُوِيَ عن النعمان بن بشير، قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسير، فخفق رجل «أى نَعِسَ» على راحتله، فأخذ رجل سهمًا من كِنانته، فانتبه الرجل ففَزِع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لرجل أن يُرَوِّعَ مسلمًا»، ورُوِيَ عن أبى الحسن البَدْرى قال: «كنَّا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل، ونَسِى نعلَيْه، فأخذهما رجل فوضعهما تحته، فرجع الرجل فقال: نَعْلِي، فقال القوم: ما رأيناها، فقال: هو ذا، فقال صلى الله عليه وسلم: فكيف برَوْعَةِ المؤمن؟ فقال: يا رسول الله إنما صنعتُه لاعبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «فكيف بروعة المؤمن؟ قالها مرتين أو ثلاثًا». وهذا يدل على أن ترويع المؤمن أمر عظيم، ولهذا بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أحاديث أُخَرى أن ترويع المسلم ظُلْم عظيم، يستَوْجِب إخافة فاعله يوم القيامة، وعدم تأمينه من أفزاع هذا اليوم الكثيرة، فقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُرَوِّعُوا المسلم؛ فإن رَوْعَة المسلم ظلم عظيم»، ورُوِيَ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أخافَ مؤمنًا كان حقًّا على الله أن لا يُؤَمِّنَه من أفزاع يوم القيامة». اسمح لى أن ننتقل إلى قضية أخرى وهى الاتهامات التى يوجهها أعداء الإسلام إلى الشريعة الإسلامية بأنها قاصرة على زمن معين، وأنها لاتساير العصور المختلفة فما قولك؟ بالتأكيد اتهامات باطلة شكلا ومضمونا، وذلك لأن هذه الشريعة حوت تشريعات وآدابًا وأخلاقًا وسلوكًا وأحكامًا تنظم العلاقات بين الناس بعضهم بعضاً وبين هؤلاء الناس وخالقهم وبينهم وبين من لا يدينون بدينهم، ولهذا فإن التشريع الإسلامى يحمل فى طياته عوامل مرونته وتطوره وقابليته للتطبيق فى كل زمان ومكان، ولأجل هذا قال الحق سبحانه وتعالي: ما فرطنا فى الكتاب من شيء، وصيغة العموم فى هذه الآية دليل على أن هذا الكتاب حوى كل ما يتعلق بأمور البشر فى حياتهم وبعد مماتهم. وهذا يجعلنا أن ننتقل إلى قضية أخرى وهى الوسطية فى الإسلام، نريد تسليط الضوء عليها ؟ الوسطية الإسلام منهج كما ذكرت آنفا، وأخبرنا الله به فى قوله سبحانه وتعالي: «وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا»، والإسلام قليل التكاليف أى ليست فيه تكاليف شرعية كثيرة، يضاف إلى هذا أن هذه التكاليف فيها من اليسر والرخص ما لا يعنت بالمكلفين به، وهذا من عوامل اليسر والوسطية، كما أن دين الإسلام يجبّ ما قبله من المعاصى والشرك.