الفنانون في حياتنا هم الايدي الحانية التي تربت علي قلوبنا كلما اختلت فتعيدها إلي توازنها اللازم لاستمرار الحياة وهم المزامير التي تتغني بالحب في مقابل القسوة التي تشعلها الكراهية والطغيان والحرب. ولذلك فنحن نتعلق بهم تعلقنا بالحياة ذاتها. ونحزن لفراقهم حزننا علي ضياع عزيز.. ولكن من حكمة الزمن ان آثارهم تبقي بعد رحليهم سواء في الكتب أو الأشرطة المسجلة أو الأغنيات المحفوظة. وعبد الوهاب قمة من تلك القمم الشامخة التي يحتفل بها العالم العربي هذه الأيام إحياءا لذكري مولده في13 مارس عام1901, وقد عاش هذا الموسيقار مايقرب من تسعين عاما يملأ الدنيا غناء وألحانا منذ كان صبيا حتي رحل عن دنيانا في3 مايو عام1991. ** * كان من حظ عبد الوهاب ان التقي بأمير الشعراء أحمد شوقي شوقي علمني الحياة.. علمني كيف أعيش.. كيف اتذوق.. كيف اقرأ.. علمني السلوك.. علمني الوجود.. علمني المتعة بالحياة. يعني فتح لي كل أبواب الحياة. وقد تعلمت منه ان من يعطي الفن يعطيه الفن.. وقد عودت نفسي ان احب فني.. واعامله تماما كما يعامل المحب الولهان حبيبته.. وهذا الحب لم تنطفئ جذوته منذ شبابي وحتي شيخوختي بل يزداد عمقا فأنا اليوم اشد رغبة في الاختلاء بفني لاطوره واجعله يعيش كل الاحاسيس والعواطف والأفكار الجديدة. وهذا مافعله عبد الوهاب.. بل أهم مافعله في حياته هو تطوير الموسيقي العربية.. فقد ادخل في ألحانه آلات جديدة تعزف لأول مرة كما انه أسهم في نقل بعض التيمات والألحان الشهيرة الراقصة من امريكا اللاتينية خصيصا الينا حين وجد فيها شيئا من روحنا كما لحن الأغنية العامية والشعبية بنفس القدرة والجمال التي لحن بها قصائد الشعر. يقول عبد الوهاب عن لحظات الإلهام: إنها القدر.. القدر لحظة ينطق كلمته.. لحظة الميلاد لايمكن ان تحدد بزمن أو ميعاد.. قد تأتي فجأة وقد أنتظرها زمنا طويلا في جوف الليل في وضح النهار.. قد اكون وحيدا وقد اكون وسط حشد من الناس فاعتزلهم فورا لا اركن إليها. وعن العلاقة بين الدين والفن قال: الدين فن والفن دين.. كلاهما يبحث في الحقيقة ويهدف إلي الخير والحق والجمال.. والدين في جوهره حب.. والفن في جوهره حب.. الدين نظام للمجتمع.. والفن نظام للروح والعقل. سئل عبد الوهاب: انت في شيخوخة العمر وشيخوخة المجد ومع ذلك تبدو كأنك في شباب العمر وشباب الموهبة. اجاب: ليس للفن شيخوخة وشباب فما هو بكائن حتي يشيخ وإنما هو حياة تتجدد بالعمل الدائم المستمر.. وهذا ما أحرص عليه فأنا اعمل كل يوم بلا انقطاع. * رحم الله عبد الوهاب وامد في عمر اغنياته وألحانه ولاعزاء لهؤلاء الذين يتعاملون مع الحياة من مبدأ الأخذ فقط دون عطاء.. ومن منطلق الهزل لا الجدل والاستسهال لا الاخلاص.