استضاف المذيع مليونيرا وسأله: ما أكثر شيء أسعدك في هذه الحياة؟ فأجاب: مررت مع السعادة بأربع مراحل حتي عرفت السعادة الحقيقة. الأولي: كنت أسعد باقتناء الأشياء عامة. الثانية: كنت أسعد باقتناء الأغلي والأعلي سعرا والأندر وجودا, ولكنني وجدتها سعادة مؤقتة. الثالثة: كنت أسعد بامتلاك المشروعات الكبري مثل شراء فندق أو منتجع سياحي أو ناد شهير, وكنت أتصور أن ذلك سيشبع فضول سعادتي ولكن لم يحدث أبدا. الرابعة: طلب مني صديق أن أساهم بشراء كراسي متحركة لأطفال معوقين فتبرعت فورا بشرائها, ولكنه أصر علي أن أذهب معه لأقدمها للأطفال بنفسي, ولم أكن أتخيل حجم الفرحة الكبيرة علي وجوه هؤلاء الأطفال, بعد أن صاروا يتحركون بها في كل اتجاه وهم يضحكون وكأنهم في الملاهي, لم أكن أعرف هذا العالم من قبل, شعرت ساعتها بسعادة لم تدخل قلبي من قبل, ولكن سعادتي الحقيقية الكبري حدثت حينما أمسك أحد الأطفال بساقي وأنا أهم بالمغادرة, وركز عينيه بقوة في وجهي فانحنيت عليه أساله: هل تريد مني شيئا؟ قال: لا.. ولكني أود أن أتذكر ملامح وجهك جيدا حتي إذا لقيتك يوم القيامة في الجنة أشكرك مرة أخري أمام الله. هذه هي السعادة الحقيقة, أن تكون رسولا للحب والرحمة بين الناس, وقد قال أحد أكبر الأطباء النفسيين:' إذا أردت أن تسعد نفسك فاسعد غيرك', وما قاله هذا الطبيب الأوروبي هو مصداق حديث رسول الله:' من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة'. وأنا أقول دوما لكل مريض مصاب بالهم والغم واليأس:' اذهب إلي دور الأيتام مع أسرتك, اقض يوما معهم, أحضر لهم طعاما أو لعبا, أو شيكولاتة, العب معهم, اشرح للطلبة منهم درسا في أي علم يدرسونه, ستجد السعادة تدخل قلبك. يحضر إلي الزوجان يشكوان من العقم, وبعد الفحوصات والعلاج أقول لهما: هناك علاجات أخري أهمها الدعاء ورعاية أي يتيم في شارعكم, أعطوه ساندوتشا أو شيكولاتة أو جنيها, وما أكثر الأيتام والفقراء في شوارعنا وبلادنا. فمن أسعد اليتيم والمحروم والفقير والمريض أسعده الله, لكي يرزقك الله السعادة أو الذرية أو طيب العيش, أدخل السرور علي الآخرين, أسعدهم لتسعد نفسك. لن تبتسم حقا حتي ترسم البسمة علي شفاه الآخرين, لن تحيا حقا حتي تحيي الآخرين ماديا ومعنويا, لن تشفي حقا حتي تتصدق وتساهم في شفاء الآخرين. سوف تشقي إذا وزعت الشقاء علي من حولك, سوف تفتقر إذا أفقرت غيرك وضيقت عليه أو أكلت ماله بغير حق. سوف تشعر بالسلام والأمان إذا زرعته ورويته ورعيته بين الناس, سوف تشعر بالمودة والمحبة والألفة إذا زرعتها فيمن حولك. كان غنيا ولكنه يحب أن يجلس إلي شقيقي الأكبر متوسط الحال, فقال له يوما: تري ما السر الذي يجعلني أجلس إليك وأترك الكبار والأغنياء, إنه حب والدك رحمه الله, فقد كان' سلامنجي' أي يسلم علي كل الناس الصغير والكبير. وقد كان أبي يفعل ذلك بحق, فيدخل الشارع فيسلم علي كل طفل أو امرأة مسنة أو رجل ويدللهم جميعا, ويصفهم بأوصاف جميلة, ويدعو للشابة بالزواج الطيب, ويداعب الطفل ويدعو له أن يصبح طبيبا أو مهندسا أو ضابطا, وأحيانا يناديه يا دكتور فلان تشجيعا, والمسنة يحدثها بكلمات كلها تفاؤل وأمل وتمنيات بالصحة وعودة الغائب, فإذا دخل البيت قفزت القطط التي يربيها لتلتهم' الفشة' التي كان يشتريها خصيصا لها, وكان يسمي القطط التي يربيها بأسماء جميلة; الملكة, ضرغام, الأميرة, وهكذا. وكان يقول لي وأنا صغير: ما سر هذه الكركرة في صدر القطط؟ فأقول: لا أدري فيقول, إنها تسبح الله باستمرار. السعادة ليست في الأموال رغم أهميتها وحاجتنا إليها, وليست في الضياع والمناصب رغم أهميتها, كلها وسائل يمكن أن تسعدنا أو تشقينا. ولكن السعادة في القرب من المحبوب الأعظم سبحانه, وفي خدمة الناس وحبهم ورحمتهم وتفريج كرباتهم, وإسعادهم, الناس كل الناس, المسلم والمسيحي, القريب والبعيد, الطائع والعاصي, المحسن والمسيء. السعادة أن تحب المحبوب الأعظم سبحانه وأن ترحم عباده, فإذا أحببت الله ورحمت خلقه تدفقت ينابيع السعادة في قلبك والدفء في حياتك والأمان في وجدانك, وشعرت بتناغم روحك مع الكون كله, وصفاء نفسك مع الحياة مهما تكن صعوباتها وآلامها, ولم تنشغل بالذين يقذفونك بالحجارة لأنك ستجمعها سعيدا وتبني بها بيتا يحفظك في الدنيا والآخرة, سلام علي باذلي المعروف ومحبي الخالق والخلائق.