عشت حياة طويلة في سعادة لا توصف وكأني أميرة لها أن تأمر وتطاع في كل شيء, كان زوجي هو سر سعادتي وحياتي كلها, التقينا قبل بضع سنوات وتلاقت روحانا علي الحب ومالبثنا كثيرا حتي اقترنا زوجا وزوجة نكابد الحياة سويا وتكابدنا ولكنا حققنا المستحيل ومن بدايات متواضعة وحياة في شقة صغيرة في منطقة شعبية إلي مستوي اجتماعي أعلي وشقة فاخرة, لم يكن المال هدفا نسعي إليه ولكن بالحب تحقق لنا كل شيء, وتوج الله سعادتنا بطفلة كالوردة تبعث بأريج عبيرها حولنا, كنا نسجد لله شكرا ليل نهار علي نعمه علينا التي لا تحصي, لا ندري أن القدر يخفي لنا مصيرا مجهولا تنطفئ معه جذوة السعادة إلي الأبد, اختفي حبيبي من الدنيا ولقي ربه في حادث سيارة وهو بعد لم يكمل عامه الأربعين, كنت أعيش بأنفاسه وفقدت روحي معه, لا أدري هل أنا فعلا علي قيد الحياة أم أني قبرت معه, لا يربطني بالدنيا غير خيط رفيع أشبه بالحبل السري تتعلق في نهايته ابنتي فهي طفلة في السابعة من عمرها لا سند لها غيري, لست في حاجة لأحد فما تركه لي حبيبي يكفيني وابنتي حتي أكمل لها تعليمها وأصل بها إلي بر الأمان وأتركها في كنف زوج يحبها ويرعي الله فيها, ولكني أشفق عليها فلا أجد عندي قلبا يعوضها حب وحنان أبيها فقد تحول القلب مني إلي قبر أعيش فيه تحيطني الذكريات الجميلة وأصداء رحيل حبيبي بعتمة مميتة لا أدري معها إن كنت قادرة علي العيش وتربية ابنتي أم لا؟ ولولا وجود أمي لضاعت ابنتي كما ضعت أنا..! ربما تقضي علي أحزاني لولا شعاع من أمل أراه في عيني ابنتي تذوب معه كتل الثلج في نفسي بعض الشيء. أحب الحياة من أجلها ولكنه بالنسبة لي حب مؤقت حتي ألقي حبي الحقيقي راحلة إليه فمازالت روحي معلقة بحبيبي ولا يفهم أحد غيري ما أنا فيه فأمي تجتر أحزاني كل يوم بإصرار غريب محاولة اقناعي بنسيان الماضي والزواج لاتدري أنه لم يعد لي أغراض في الدنيا حتي ابنتي لا تشعر بي كما أشعر بها, لا تعرف أن استمراري في الحياة مرهون بها, تقول لي إنه رغم وجودي معها تفتقدني أما وصديقة وتصف حياتها بالوحدة وتقول لي لو أن الحياة يمكنها أن تدب في البيت من جديد بزواجي فهي لا تمانع في ذلك, لم تفهم أني عشت معها أكثر من عشر سنوات بعد رحيل والدها لها ومن أجلها ولم أعش لنفسي أبدا. أكتب لك وأنا أختنق من ضغوط نفسي ومن حولي لا أدري ماذا أفعل, هل تعود الحياة لمن لفظ روحه, هل يمكن لي أن أغادر قبر قلبي وأنا عاجزة عن الحياة ؟ م. ت. الجيزة ما كل هذا اليأس الذي تعيشين فيه إلي حد الموت والروح مازالت تنبض داخلك بالحياة, يا سيدتي لا تتوقف الدنيا عند بعض المجريات مما جبلنا عليه ميلادا ومماتا حتي تنتهي الدنيا ثم نبعث من جديد لدي العزيز الرحيم حيث الخلود في رحابه جل في علاه, هل تواري الإيمان في قلبك وانتصر عليه اليأس إلي هذه الدرجة التي نسيتي معها حكمة الله في خلقه فالحياة والموت من أقدار الله ومن يقينيات الإيمان أن نتقبل أقدار الله صبرا واحتسابا ولا نحبس أنفسنا في قفص حديدي من اليأس أشبه بقبر ولكن أعلي باطن الأرض فلا تسرفي علي نفسك يا سيدتي ولا تقنطي من رحمة الله وتذكري قوله تعالي في محكم آياته كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون, الأنبياء:35]. أما ما تطلبه منك أمك وتتفق معها فيه ابنتك ليس إلا حبا لك وخوف عليك في نفس الوقت, ليس في ذلك ضغط عليك يستدعي الاختناق منه لك أن تفكري في ذلك الأمر من منطلق عقلي وإنساني في نفس الوقت, عظيم أنك وفية لذكري زوج وحبيب رحل ولكن تذكري أنك مازلت علي قيد الحياة ومتطلبات الحياة واحتياجاتها أولي بالاهتمام بها لأن العمر ممتد بك ولم ينته بعد فترفقي بنفسك ولا تجلديها أكثر من ذلك, انزعي عن كاهلك أسمال اليأس وغادري قبرك واتركي قلبك للحياة يستضيء بها فتعود إليه السعادة من جديد.