تجيب أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية:إن المتأمل في الأحاديث النبوية الشريفة والسيرة المصطفوية المنيفة ليجد الإجابة علي هذا السؤال واضحة جلية; إذ فيها الإجابة علي سبب تعدد القراءات القرآنية وبيان كون ذلك رحمة بالأمة, تسبب في جلبها لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم برحمته بأمته وشفقته الكبيرة عليهم, كيف لا وهو نبي الرحمة الرءوف الرحيم, وفي السنة والسيرة أيضا وجود القراءة بالقراءات المختلفة بين الصحابة رضي الله تعالي عنهم وحدوث نوع التباس واستغراب لديهم أزاله تعليم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لهم, وهذا يدل علي أن حصول هذا الاستغراب لا يستوجب بمجرده ترك القراءة بالقراءات القرآنية المتواترة; ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالي عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: أقرأني جبريل عليه السلام علي حرف واحد, فراجعته, فلم أزل أستزيده ويزيدنا حتي انتهي إلي سبعة أحرف, وفيهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, فاستمعت لقراءته, فإذا هو يقرأ علي حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, فكدت أساوره في الصلاة, فتصبرت حتي سلم, فلببته بردائه, فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, فقلت: كذبت; فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد أقرأنيها علي غير ما قرأت, فانطلقت به أقوده إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان علي حروف لم تقرئنيها, فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لهشام: اقرأ يا هشام, فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ, فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: كذلك أنزلت, ثم قال: اقرأ يا عمر, فقرأت القراءة التي أقرأني, فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: كذلك أنزلت, إن هذا القرآن أنزل علي سبعة أحرف, فاقرؤوا ما تيسر منه واللفظ للبخاري, وزاد مسلم: قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبع الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام. وعليه: فإنه لا مانع للإمام المتقن للقراءات أن يقرأ بها في صلواته الجهرية التي يؤم فيها الناس, بل قد يكون مستحبا أو واجبا إذا كان يترتب علي ذلك الحفاظ علي القرآن الكريم وإفهام الناس حقيقته وأوجه قراءاته المتواترة; لئلا يندرس هذا العلم, أو يكون حكرا علي خاصة الخاصة من الدارسين والأكاديميين, ولكن ينبغي علي مثل هذا الإمام أن يتعهد المصلين بإفهامهم بما يناسب عقولهم بحقيقة القراءات القرآنية وجواز القراءة بها في الصلاة وغيرها; بحيث لا يحصل تشويش علي جماعة المصلين بأن يقوم بعضهم بالفتح علي الإمام عندما يقرأ ما لم يتعوده المأموم من قراءة أهل بلده التي اعتاد سماعها والاستماع إليها, أو بأن ينكر هذه القراءة بالكلية فيقع في تكذيب كلام الله تعالي.