حاول المخرج الشاب علاوي سليم في أول أفلامه الروائية الطويلة أبناء الدنمارك التعبير عن نفسه وثقافته التي يجمع فيها بين أصوله العراقية وانتمائه لوطن جديد في الدنمارك الذي ولد وتربي وتعلم فيه, ليكون العمل بمثابة نظرة للمستقبل عن العلاقة بين المهاجرين والمجتمع الأوروبي في محاولة لتقريب وجهات النظر والإشارة إلي المشكلات الخفية تحت السطح والتي من الممكن أن تكون سببا في توليد العنف بين الطرفين رشح الفيلم لجائزة النمر الذهبي في الدورة ال48 لمهرجان روتردام السينمائي الدولي, ونافس علي جوائز مهرجان جوتنبورج السينمائي في السويد, وفي هذا الحوار يتحدث علاوي لالأهرام المسائي من روتردام عن فيلمه وعرضه العالمي الأول في مهرجان روتردام: متي بدأت التفكير في مشروع هذا الفيلم؟ أعمل عليه منذ أكثر من ست سنوات, فعندما التحقت بمدرسة الإخراج السينمائي بالدنمارك سألني أساتذتي عن الفيلم الروائي الطويل الذي أريد تقديمه, وكانت هذه فكرتي التي قدمتها ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل علي تطوير السيناريو والشخصيات, في البداية كان رأي أساتذتي فيه أن به نوعا من المبالغة, لأن العالم لم يصل لهذه الحالة من الصراع الذي يطرحه الفيلم, واستمريت في الدراسة والقراءة لتطوير الفكرة, وبالتدريج بدأت ردود الأفعال تتغير إلي أن انتهيت من دراسة السينما وقدمت لهم النسخة الأولي للسيناريو بعد أن انتهيت منها, قالوا إنه قريب جدا من الواقع, بمعني أنه خلال6 سنوات تغيرت النظرة للأحداث من مبالغة إلي قريب جدا من الواقع, ولهذا فضلت أن أجعل أحداث الفيلم تدور في المستقبل عام2025 بحيث يمكنني كمخرج اللعب بالقصة دراميا كما أريد. وهل أصبح سيناريو الفيلم أقرب للواقع بعد تطويره أم بسبب التغيرات التي حدثت خلال هذه الفترة؟ لا الزمن هو الذي تطور والعالم تغير بحيث إن الأشياء التي كنا نراها نوعا من المبالغة أصبحت الأن شيئا عاديا. أيعني هذا أنك كنت تشعر بهذا التغيير بشكل أوضح وهذا ما دفعك لكتابة السيناريو؟ بالتأكيد, فنحن نعيش في هذا العالم ولدينا حياتنا وعائلتنا والمجتمع المحيط بنا نستمع أحيانا لبعض المواقف لكننا ننساها, فهذه هي الحياة تحدث الأشياء وتمر علينا ثم ننساها, وهناك الكثير من الأزمات والحروب التي شهدتها السنوات العشر الأخيرة نتابعها ثم ننساها, ولكن عندما تكتب فيلما وتواصل العمل عليه يوميا لن تنسي وستري الخطوات بوضوح واحدة تلو الأخري, ولهذا كنت أري هذا التغيير يوما بعد يوم. لماذا اخترت هذا البناء للقصة التي تأخذ المشاهد في رحلة تدريجية لإدراك دوافع الشخصيات؟ في الفيلم أردت استخدام تحيز البعض, والأفكار المسبقة التي لدي الناس, ففي بداية الفيلم يعتقدون أنهم يشاهدون شيئا يعرفونه جيدا مع قصة التفجير وزكريا الذي ينضم لجماعة حسن ويلجأ للعنف, ثم نقلب هذه الفكرة تماما لنقول لهم إن الأمر مختلف تماما عما يظنون, وهناك أبعاد أخري يجب أن يدركوها فالقصة أكثر تعقيدا من مجرد تصنيفها بالأبيض والأسود والخير والشر. وهل الهدف الرئيسي من هذا البناء هو اكتساب تعاطف المتلقي الغربي مع شخصيات الفيلم؟ التعاطف أمر يرجع للمشاهدين, هم أصحاب الحق في قرار التعاطف مع أي من الشخصيات, خاصة أن الفيلم ليس موجها للعرب فقط ولا للأوروبيين فقط بل للجميع, لكن كان هدفي توضيح وجهة النظر المطروحة في الفيلم وجعل المشاهد يفهم الشخصيات الثلاثة الرئيسية ودوافعهم, ولم أفكر أثناء العمل علي الفيلم بأني أريد للأوروبيين أن يفهموا العرب, ولكن أردت أن أقول للمشاهد إنك إنسان وعندما تري هذا الفيلم أريدك أن تشعر بهذه المعضلة التي تعيشها الشخصيات, وتشعر بهذا القدر الهائل من الخوف وفقدان الأمل الذي تشعر به الشخصيات. إلي أي مدي شخصياتك مبنية علي الواقع؟ الشخصيات ليست حقيقية, لكني بحثت كثيرا عن معلومات, حول مرتكبي التفجيرات وما دافعها السياسي الوطني, وما الذي يدفع شابا صغيرا لارتكاب جريمة في مجتمعه الذي ولد وتربي فيه, ثم اخترت منها ما الذي أريد استخدامه, فهي ليست معلومات عن شخص محدد في الواقع ربما يكون هناك بعض التشابهات لكني جمعت معلومات مختلفة وخلقت منها شخصيات خيالية. وهل استعنت بمعلومات رسمية من سلطات أمنية في الدنمارك؟ نعم, كان لدي شخص من الاستخبارات الخاصة سألته عن التفاصيل التي تتعلق بعمل مالك في الاستخبارات وكيفية التعامل مع بعض المواقف, لأعرف ما هو الحقيقي وما هو غير الحقيقي ثم أختار ما أريد استخدامه في الفيلم, علي سبيل المثال كيفية الاستماع للمحادثات السرية التي يسجلها العميل المتخفي والتعامل معها, أردت أن أعرف ثم أقرر ما أفعله, ولكن لا يوجد أكثر من ذلك فهو فيلم خيالي لا يستند علي أشخاص أو وقائع حقيقية. وكيف جاءت مشاركتك في مسابقة النمر الذهبي بروتردام؟ كنت هنا من قبل بفيلم قصير, وتقدمنا هذا العام لمسابقة النمر الذهبي واختارتنا إدارة المهرجان من بين8 أفلام تنافست علي الجائزة, وأعتقد أنها نقطة بداية جيدة للفيلم ليشهد عرضه العالمي الأول, ثم عرض بمهرجان جوتبورج السينمائي في السويد. وكيف اخترت أبطال الفيلم؟ عقدت العديد من تجارب الأداء لدور زكريا لأنه لا يوجد ممثل عربي محترف في الدنمارك عمره19 سنة, ولهذا بحثت كثيرا وطلبت من أصدقائي أن ينصحوني بترشيحات وتقدم لي أكثر من70 شخصا, إلي أن عثرت علي محمد إسماعيل ووجدت لديه القدرة علي تمثيل المشاعر المتناقضة كالخوف والقوة بطريقة تلقائية, أما زكي يوسف فأعرفه منذ سنوات طويلة كان بطلا لفيلمي القصير الأول, وحسن كان بطلا في فيلم تخرجي في مدرسة السينما كان البطل الرئيسي للفيلم يعمل كبائع سيارات في مدينة أخري بالدنمارك واستمتعنا كثيرا أثناء العمل, وأصبح الآن ممثلا في الدنمارك ويشارك حاليا في مسلسلين علي شاشة التليفزيون هناك. وما طبيعة المجتمع في الدنمارك الآن هل توجد حالات تطرف مثل التي ظهرت في الفيلم؟ لا, مجتمعي في الحقيقة ليس بالصورة التي قدمها الفيلم علي الإطلاق ولهذا قدمت الأحداث في المستقبل, وجعلت الشخصيات في مواجهة مع بعضهم البعض وأوضحت التطرف من الجانبين, فإذا نظرنا للمجتمع الآن نجده أكثر تسامحا, وهذه المشاعر تحت السطح فقط, لكني أردت أن أضعها علي السطح وأجعلها في مواجهة واضحة, لأروي قصة عن بعض القيم والمعاني الإنسانية التي أصبحنا نفقدها تدريجيا وتتم مناقشتها في المجتمع, وهذا يحدث معنا جميعا في كل مكان بالعالم. الفيلم يشير أيضا إلي أن السياسيين في كثير من الأحيان هم الذين يشعلون الصراعات في المجتمع؟ نعم يمكننا القول إن السياسيين هم مثل الأب والأم, فإذا كانا لديهما قدر من الكراهية سيصبح الأبناء أيضا لديهم هذه الكراهية أري الأمر بهذا الشكل, ولهذا من المهم ألا نسمح لأشخاص حقودين كريهين بالوصول للسلطة لأن تأثيرهم كبير, لا أعتقد أنه يوجد أشخاص بهذا الشكل في السلطة حاليا ولكننا نسير في هذا الاتجاه ومن الممكن أن يحدث فعليا في المستقبل بعد عشر سنوات من الآن عندما يولد أبنائي. هل تحاول التمسك بأصولك العراقية؟ زرت الشرق الأوسط أكثر من مرة وفي المنزل أتحدث العربية مع والدي, وأفخر جدا بجذوري العراقية, ولكني في الوقت نفسه ولدت وتربيت في الدنمارك وهي وطني وحياتي الآن, ولهذا فهو أمر معقد أحاول التعبير عنه بشخصيات فيلمي أبناء الدنمارك, فهي تعقيدات إنسانية أن يكون لديك أصول تفخر بها وموطن جديد أيضا تفخر به وتنتمي إليه فقد أصبح بلدي الثاني ما الذي يمنع الجمع بين الاثنين. هل لديك خطة لعروض الفيلم؟ سيبدأ عرضه في صالات السينما بالدنمارك في أبريل المقبل وسنري بعدها ما يمكن عمله, وأتمني أيضا أن يعرض في مصر ولكن لم تتضح الخطة بعد.