في ظل الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع والخدمات, بدأ المواطن المصري يغير ثقافته الشرائية, فأصبح يتبع سياسة غابت عنه منذ أكثر من40 عاما, وهي سياسة الاستغناء أو ما يعرف باسم المقاطعة, في خطوة لإجبار التجار علي خفض الأسعار, وهو الأمر الذي اتبعه مترددو مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر, أسوة بما يحدث في الدول المتقدمة, حيث بدأوا بمقاطعة الفاكهة تحت شعار خليها تحمض الأمر الذي أدي لتراجع أسعارها بنحو40% بعد الحملة, وحينما وجد المواطنون صدي لمقاطعتهم دشنوا حملة جديدة لإجبار وكلاء السيارات علي خفض الأسعار, بعد خيبة الأمل التي سيطرت عليهم حينما لم تنخفض الأسعار بالرغم من تطبيق اتفاقية زيرو جمارك الموقعة بين مصر والاتحاد الأوروبي. ومع الانتشار الواسع للحملة الأخيرة, أكد, الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك, أن ثقافة المقاطعة أمر لطالما طالبت به جمعيات حماية المستهلك, لمواجهة جشع التجار, والارتفاع الشديد في الأسعار الذي يعاني منه الشعب المصري. وأكد, خبراء الاقتصاد, أن المقاطعة غير المنظمة لن تؤتي ثمارها بشكل فعال مقارنة بالمقاطعات التي تتبناها الدولة ممثلة في جهاز حماية المستهلك, حيث إنه لديه جميع المقومات التي تؤهله لقياس المتغيرات في السوق ومعرفة السعر العادل للسلع وعليه امداد تلك المعلومات للمستهلك, ليكون أكثر قدرة علي اتخاذ القرار السليم, مشددين علي أهمية زيادة الإنتاج لضمان انخفاض أسعار السلع. وفي المقابل, أوضحت, غرفة القاهرة التجارية, أنه بالرغم من تأثير تلك الحملات علي الأسواق بالسلب, إلا أن المواطن عليه معرفة الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع الأسعار وهل هي خاصة بجشع فئة من التجار غير الملتزمين أم هناك أسباب أخري كتعويم الجنيه, وزيادة معدلات التضخم وارتفاع تكلفة المنتج النهائي. سعاد الديب: أسلوب عالمي .. وعلينا الاستفادة به قالت, الدكتورة سعاد الديب, رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك, إن جمعيات حماية المستهلك نادت منذ سنوات بضرورة تطبيق سياسة المقاطعة التي تعد أسلوبا عالميا, وهو حق أصيل من حقوق المستهلك, حيث إن السلع تخضع لآليات العرض والطلب وفقا لاقتصاديات السوق الحرة, وبالتالي فإنه مع ارتفاع الأسعار إذا قام المواطن بمقاطعة شراء السلعة يعمل ذلك علي خفض معدلات الطلب عليها وبالتالي يزيد المعروض مما يؤدي إلي انخفاض الأسعار, خاصة السلع سريعة التلف. تابعت: فإذا كانت السلعة من السلع الغذائية كاللحوم أو الخضر والفاكهة سوف يضطر التاجر لخفض الأسعار, وهو الأمر نفسه بالنسبة للسيارات التي لها موديلات سنوية وفي حالة عدم تصريفها تعد من موديلات السنوات السابقة وهو الأمر الذي يخفض سعرها في حد ذاته. وأشارت, إلي أن سياسة المقاطعة تؤدي بدورها لتحجيم جشع التجار الذين يرغبون في النهاية في تصريف بضائعهم للقيام بدورة رءوس أموالهم, والوفاء بالتزاماتهم للغير, مشيرة إلي أن مواقع التواصل الاجتماعي في ظل عصر التكنولوجيا تعد من أهم وسائل الاتصال الجماهيري التي تؤثر في الرأي العام لسرعة تداولها وللتفاعل المباشر. وطالبت, بضرورة استمرار اتباع تلك السياسة للسيطرة علي جنون الأسعار في جميع السلع خاصة التي ترتفع بدون أسباب حقيقية, حيث إن اتباع المقاطعة سيدفع جميع التجار في مختلف القطاعات للتخوف من التلاعب بالأسواق. د. صلاح الدين فهمي: علي حماية المستهلك تبني الحملات أكد, الدكتور صلاح الدين فهمي, استاذ الاقتصاد, بكلية التجارة, جامعة الأزهر, أن المقاطعة وسيلة من وسائل الضغط علي التجار لمواجهة الجشع في ظل الارتفاع الشديد في أسعار السلع, مشيرا إلي انه بالرغم من إيجابية المقاطعة الا أنها لا تعطي التأثير نفسه الذي يتحقق في حالة تبني الدولة لها ممثلة في جهاز حماية المستهلك وهو ما يعرف بالمقاطعة المنظمة. واشار, إلي أن الجهاز يعد جهة مستقلة لا يتبع أي وزارة وبالتالي فعليه العمل بشكل أكبر في مجال حماية المستهلك خاصة أن لديه جميع المقومات التي تؤهله للقيام بتلك المهمة من إمكانية جمع البيانات والمعلومات الخاصة بكل سلعة والأسباب الحقيقية وراء ارتفاعها. وتابع: فإذا توصل الجهاز إلي أن الارتفاع بسبب جشع التجار عليه المناداة بمقاطعة السلعة وفي حالة وجود أسباب أخري فعليه توضيح الصورة للمواطن لكي يستطيع اتخاذ القرار السليم سواء بالشراء أو التريث لحين انخفاض السعر مرة أخري فمثلا إذا كان هناك ارتفاع في سعر البطاطس كما حدث منذ فترة عليه توضيح الأسباب اذا كان الامر بسبب احتكار كبار التجار للبطاطس أو أن السبب هو عدم وصول المنتج الجديد من العروة الشتوية, وأوضح, أن الحكومة تتدخل لضبط أسعار السلع من خلال ضخ كميات كبيرة من السلع الأساسية والخضر والفاكهة وبيعها بأسعار مناسبة في منافذ المجمعات الاستهلاكية ومنافذ الجيش والشرطة في حالة ارتفاعها, وهنا يجب علي جهاز حماية المستهلك العمل في الاتجاه نفسه من خلال الدعوة لمقاطعة السلع المرتفع سعرها دون مبرر خاصة أن الجهاز يعد ترمومتر السوق. د. سعيد عبد الخالق: زيادة الإنتاج هي الحل قال, الدكتور سعيد عبد الخالق, الخبير الاقتصادي إن ثقافة المقاطعة لدي الشعب المصري اختفت منذ أيام الرئيس محمد انور السادات عندما تم مقاطعة اللحوم لحين انخفاض أسعارها, مشيرا إلي أن المقاطعة لها معايير محددة لضمان نجاحها ومنها وجود بديل للسلع التي تمت مقاطعتها بأسعار أقل كاستعاضة اللحوم بالدواجن, فضلا عن أنها تحكمها سلع محددة كالسلع الأساسية التي يحتاجها جموع الشعب المصري وليست السلع الترفيهية أو التكميلية. وأشار, فمثلا عند المنتدي لمقاطعة الفاكهة كانت من السلع سريعة التلف, فضلا عن أنه يمكن الاستغناء عنها أو بعض الاصناف منها واستبدالها بأخري, وذلك بعكس السيارات فهي سلعة لا يتم شراؤها بشكل يومي أو باستمرار كما انه لا يتأثر بها جميع الشعب المصري فهي تعد من السلع التكميلية. وأكد, أن انخفاض الأسعار لن يحدث إلا بزيادة الإنتاج حيث إن زيادة معدلات الإنتاج تؤدي إلي خفض تكلفة المنتج, وزيادة المعروض منه في السوق مما يزيد من معدلات العرض عن الطلب, وبالتالي تنخفض الاسعار. وطالب, بضرورة الاهتمام بالصناعة الوطنية ودعمها بمختلف مجالاتها خاصة فيما يتعلق بالصناعات الغذائية والزراعية والانتاج الحيواني لضمان خفض فاتورة الاستيراد من الخارج, حيث تعتمد مصر علي استيراد كميات كبيرة معظم السلع الغذائية لسد الفجوة بين الطلب والاستهلاك كالفول, القمح, اللحوم, الدواجن, العدس والزيوت ومنتجات الألبان وغيرها من السلع التي لا يمكن الاستغناء عنها, الأمر الذي يجعلنا عرضة للأسعار العالمية. سامح زكي: تأثيرها واضح علي الأسواق.. والتاجر برئ أشار, سامح زكي, عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية, إلي أن حملات مقاطعة السلع التي يتم تدشينها علي مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر, تؤثر علي السوق حيث يحجم العديد من المستهلكين عن الاقبال علي شراء السلع, قائلا: من يحاول التقليل من شأنها في التأثير علي الأسواق غير واع لتطورات العصر الحالي. وأضاف: وبالرغم من ذلك, إلا أن وصف التجار بالجشعين هو أمر خاطئ خاصة أن في كل مهنة يوجد فئة صغيرة تصرف بشكل غير ملتزم أو تمارس سياسات غير مشروعة, فلا يمكن الحكم علي تلك المهنة من خلال تلك الفئة. وتابع: كما أن التغييرات الاقتصادية التي طرأت علي هيكل الاقتصاد المصري عقب قرار تعويم الجنيه في نوفمبر2016, من ارتفاع سعر الدولار وزيادة معدلات التضخم, فضلا عن ارتفاع أسعار الخدمات من كهرباء ومياه ووسائل النقل, أدت إلي ارتفاع أسعار السلع في النهاية, لأنها تؤدي لزيادة تكلفة الإنتاج وسعر المنتج النهائي. وقال, إن التاجر يعد ترسا من تروس عجلة الاقتصاد الكلي فلا يمكن تحميله جميع أسباب ارتفاع السلع, مشيرا إلي أن هناك بعض التجار يقومون باحتكار السلع أو القيام بممارسات غير مشروعة, ولكن هذا لا يعني أن جميع التجار ليسوا شرفاء, فالتاجر إذا كان يبيع سلعة فهو يعتبر مستهلكا لألف سلعة أخري. مروة: بعض السلع خط أحمر .. وتامر: الاستغناء نتيجة طبيعية قالت, مروة علي, مدرسة, إن ارتفاع أسعار السلع أدي بدوره إلي خفض الكميات التي كان يتم شراؤها في السابق, كما أنه يمكن استبدال سلع بأخري مثيلة لها وأقل في السعر, مشيرة إلي أن سياسة المقاطعة جاءت كنتيجة طبيعية لارتفاع الأسعار في ظل تدني الأوضاع الاقتصادية للأسر المصرية. وأشارت, إلي أنه بالرغم من أن المقاطعة تعد شيئا ايجابيا لمواجهة جشع التجار, إلا أنه لا يمكن تطبيقها علي جميع السلع, فعلي سبيل المثال فإن أسعار ملابس الأطفال مرتفعة بشكل غير مبرر ولكن لا يمكن مقاطعة شرائها, لأنها تعد من الضروريات بالنسبة للأسر المصرية التي يمكنها الاستغناء عن شراء الملابس لها لتتمكن من شراء ملابس أبنائها. وأكدت, نهاد الأزهري, مديرة بشركة سياحة, أن حملات مقاطعة السلع أصبحت ضرورة لإجبار التجار علي خفض أسعار السلع المبالغ فيها, مشيرة إلي أن الحملات يتم تداول أخبارها علي مواقع التواصل, الأمر الذي يزيد من عملية التفاعل ويؤدي إلي انتشارها سريعا مما يدفع العديد من المواطن لاتخاذ قرار بالمقاطعة لفترة محددة أملا في انخفاض الأسعار. وأوضح, تامر هاني, مهندس كهرباء, أن الحالة العامة للمواطن المصري الذي تكبل بالعديد من الالتزامات المادية في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات دفعته لتغير ثقافة الشراء, فبعدما كان ينتظر التخفيضات والعروض لشراء كميات من السلع التي يحتاجها أصبح يشتري ما يكفي احتياجاته الفعلية فقط, ولذلك بدأ في التفكير في كيفية الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة لمواجهة الارتفاع الجنوني في الأسعار, الأمر الذي دفعه لاتباع سياسة المقاطعة كنوع من أنواع التمرد علي الارتفاع الشديد في أسعار السلع وجشع التجار. وقال, كريم جمال, أعمال حرة, إن هناك العديد من المواطنين كانوا يعلقون آمالا كبيرة علي انخفاض أسعار السيارات لشرائها بعد توقيع اتفاقية زيرو جمارك مع الاتحاد الأوروبي, خاصة في ظل ارتفاع تكلفة المواصلات الشهرية للأسرة الواحدة, فبالرغم من ارتفاع أسعار الوقود, إلا أن السيارة تعتبر أوفر مقارنة باستخدام المواصلات للأسرة بالكامل. وأضاف: ولكن عندما اصطدموا بالواقع المرير من عدم انخفاض الأسعار تمردوا علي الانصياع لأسعار الوكلاء والموزعين, وتدشين حملة لمقاطعة السيارات, وهو الأمر الذي سيتبعه المواطنون في السلع الأخري في حالة ارتفاعها بشكل غير مبرر.