قصتها كما سردتها صحيفة ذي واشنطن تايمز الأمريكية في نهاية شهر ابريل الماضي شكلت علي الارجح صدمة كبيرة للرأي العام الأمريكي الذي لم يكن سواده الاعظم يظن ان امريكا التي تعد الهجرة إلي اراضيها الحلم الأكبر لمئات الملايين من البشر في شتي ارجاء المعمورة قد أصبحت تحتضن في احشائها ما يمكن ان يوصف بأنه واحدا من أكبر اسواق النخاسة في العالم. اسمها جين او هكذا قالت مراهقة تبلغ من العمر سبعة عشر ربيعا, كانت تبدو غاضبة للغاية عندما التقتها الصحيفة الأمريكية في نزل مخصص لاطفال الشوارع المشردين والهائمين علي وجوههم في طرقات اغني دولة في العالم, هذا النزل يحمل اسم اطفال الليل لكن الصحيفة لم تكشف عن سبب غضب هذه المراهقة البائسة, باختصار اخذت جين الغاضبة ذات السبعة عشر ربيعا تحكي قصتها المأساوية, أول خبر في قصتها هو ان الشرطة القت القبض عليها بتهمة الدعارة اكثر من عشرين مرة.. نعم انها تعمل في الدعارة بل في أسوأ انواع الدعارة ألا وهي الدعارة بالسخرة, كان الغضب الذي يعتري جين لايخفي مسحة خوف هائلة كانت تملؤها فقد كانت تخاف من التعامل مع اي شخص, لانها ببساطة كانت تتوقع معاملة شديدة الغلظة من كل من حولها حسبما قال لويس لي مؤسس ورئيس الجمعية صاحبة النزل الخيري الذي يحتضن جين الآن, باختصار لم تعتد جين ابدا علي المعاملة الرقيقة بل ولا تعرف كيف تتصرف عندما يفاجئها احد برقة معاملته! كانت طفولة جين وهذا بالمناسبة ليس اسمها الحقيقي تعيسة للغاية.. كانت امها تعمل بائعة خردة ويبدو انها كانت منفصلة عن أبيها, كان الأب مدمنا للمارجوانا, لكن الاخطر من ذلك هو انهما كانا يعيشان في حجرة مشتركة مع رجل غريب.. رجل كان بداية طريقها إلي جحيم نفسي وعائلي لايطاق, فقد أخذ هذا الرجل في الاعتداء عليها جنسيا بشكل منتظم عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها, وعندما ابلغت جين والدها بهذا الأمر لم يكترث كثيرا فقررت الهروب من البيت, وكان ان تعرفت إلي رجل في مدينة ستايل يبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما, اقترب منها الرجل وأوهمها بأنه يحبها ووعدها بحياة افضل, ثم سرعان ما اتضح انه قواد وارغمها بالقوة علي العمل بالدعارة وبيع المخدرات ومن ثم اصبحت احدي امائه. ويقول ناثان ويسلون مؤسس جمعية بروجت ميرديان الأمريكية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر ان ظاهرة عودة عبودية الانسان لاخيه الانسان اصبحت مثل الوباء في العالم بأسره بما في ذلك الولاياتالمتحدة التي يضرب بها المثل في الالتزام بحقوق الانسان والدفاع عنها. وأوضح ويسلون ان هذه الظاهرة اخترقت جميع دول العالم وجميع الاعراق وجميع الديانات وكل الطبقات, باختصار لم يعد احد محصنا منها, اما القنبلة الكبري التي فجرها ويسلون فكانت انه في الولاياتالمتحدة ينضم الآن سنويا مليون وستمائة الف سيدة وفتاة وطفل إلي سوق النخاسة الأمريكية المتنامية. وتقول وزارة العدل الأمريكية في احدث تقرير لها بشأن ظاهرة الاتجار بالبشر في الولاياتالمتحدة وهو تقريرها لسنة الفين وأحد عشر عن تطور هذه الظاهرة, تقول هذه الوزارة انه خلال الفترة من عام الفين وثمانية والفين وعشرة, تبين ان اثنين وثمانين في المائة من اجمالي الحوادث التي جري التحقيق فيها في هذا الصدد كانت تقع ضمن جريمة الاتجار بالبشر بهدف اجبار الضحايا علي ممارسة الدعارة, كما ان نحو نصف الضحايا كانوا دون سن ثمانية عشر عاما, وتبين ايضا ان نحو عشرة في المائة من الحالات التي جري الاشتباه فيها كانت تقع ضمن الاتجار بالبشر بهدف اجبار الضحايا علي العمل بالسخرة, اما الغريب في الامر, فانه يتمثل في ان نحو ثلاثة وثمانين في المائة من ضحايا جرائم الاستغلال الجنسي العبودي كانوا أمريكيين وليسوا اجانب جري تهريبهم من الخارج إلي داخل الاراضي الأمريكية, اما الاغلبية الكاسحة من ضحايا جرائم الاستغلال العبودي غير الجنسي فكانوا من بين المهاجرين. وحسب تقديرات المركز القومي الأمريكي لحقوق الانسان في مدينة بركلي بولاية كاليفورنيا الأمريكية, فان هناك نحو عشرة آلاف شخص يعملون كالعبيد اي بطريق السخرة كخدم في البيوت مثلا في الولاياتالمتحدة. وتشكل العمالة المنزلية نحو ثلث هؤلاء الضحايا كما ان بعضا منهم من الاطفال. وتقول وكالة اسوشيتيدبرس الأمريكية للانباء في معرض تحقيقات صحفية استقصائية اجرتها وشملت الولاياتالمتحدة ودولا افريقية ان ضحايا هذه الممارسات يقبلون في احيان كثيرة العمل بدون اجر مادام هذا الأمر سيوفر لهم حياة افضل بعض الشيء أو هكذا يتوهمون. وتعد دور أو مراكز التدليك أو الماساج الآسيوية احد ابرز معاقل الاستغلال الجنسي العبودي في الولاياتالمتحدة فهذه المراكز منتشرة في شتي ارجاء الاراضي الأمريكية والكثير من العاملين فيها فتيات كثيرات منهن من كوريا الشمالية يجري تهريبهن عبر حدود الولاياتالمتحدة مع كنداوالمكسيك, كما ان مع بعضهن تأشيرات مزورة دخلن بها البلاد بوصفهن طالبات, اما الاخطر من ذلك فهو ان بعض عناصر جهاز الشرطة الأمريكية متهمون بالحصول علي رشي من عصابات منظمة لتسهيل تهريب الضحايا. ويجري اجبار الفتيات اللاتي يقعن في شباك هذه العصابات علي تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة كي يكون في وسعهن ممارسة الجنس مع عدد كبير من الرجال, كما يتم اجبارهن علي القيام بعمليات تجميل ليصبحن اكثر اغراء, اما الأكثر وحشية فهو اجبارهن علي اجهاض انفسهن عندما يحدث حمل بطريق الخطأ أو حتي اجبار الحوامل منهن علي الاستمرار في ممارسة الدعارة. ويأتي اغلب ضحايا عصابات الاتجار في البشر في الولاياتالمتحدة من المكسيك ودول جنوب اسيا وافريقيا واوروبا. واظهرت دراسة اجرتها جامعة كاليفورنيا الأمريكية لحساب منظمة فري سليفز أو حرروا العبيد ان نحو ستة واربعين في المائة من الضحايا العبودية الجديدة في الولاياتالمتحدة يجبرون علي ممارسة الدعارة لكن العصابات الاجرامية التي تتولي تنظيم هذه الممارسات نجحت في افلات من العقوبة بفضل استعانتها بمحامين اكفاء. فخلال الفترة من عام الفين وواحد وحتي عام الفين وسبعة تولي القضاء الأمريكي النظر في ثلاثمائة وستين قضية من قضايا الاتجار في البشر لكنه لم ينجح إلا في مائتين وثمانية وثلاثين قضية فقط. وخلال الفترة ما بين يناير من عام الفين وسبعة وحتي سبتمبر من عام الفين وثمانية, بلغ عدد القضايا المختصة بهذا النوع من الجرائم الفا ومائتين وتسعة وعشرين قضية اتجار في البشر نحو الف وثمانية عشرة منها اي بنسبة ثلاثة وثمانين في المائة تندرج ضمن فئة الاتجار بهدف الاستغلال الجنسي, وهناك ما يمكن ان نسميه بحالة ارتباط عضوي بنيوي بين ظاهرتي الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين, اذ كثيرا ما يصبح المهاجرون غير الشرعيين صيدا ثمينا للمتاجرين في البشر أو النخاسين الجدد. ويستحوذ قطاع العمالة المنزلية علي نحو سبعة وعشرين في المائة من العبيد الجدد غير المستغلين استغلالا جنسيا تجاريا في الولاياتالمتحدة فيما يستحوذ قطاع الزراعة علي عشرة في المائة. أكثر من ذلك فإن ثمة تقديرات اخري تشير إلي ان ما بين140 الفا و325 الف طفل سنويا في الولايات المتحددة معرضان لخطر الاستغلال الجنسي وهو ما قد يعني ان مأساة جين التي كشفتها صحيفة ذي واشنطن تايمز قابلة للتكرار مئات الالاف لتصبح امريكا واحدة من كبري اسواق النخاسة في العالم فأين حقوق انسان التي يتشدق بها العم السام!