بقي المكان.. وبقي الزمان.. وتغير الإنسان. وعندما ينظر الإنسان إلي الأجيال الحديثة من المصريين.. ينظر إلي أحوالهم وأعمالهم.. ويقارن بينها وبين ما قدمه قدماء المصريين.. يأخذ العجب منه كل مأخذ.. وتحيط به الأسئلة من كل جانب. كيف نسي الأبناء والأحفاد قيمة المكان والزمان ؟! كيف غاب عنهم ذلك الرصيد الحضاري الإنساني الذي قدمه آباؤهم؟ كيف غاب عنهم أن آباءهم وأجدادهم كانوا أساتذة للإنسانية كلها.. حين اكتشفوا ضرورة عنصر( الأخلاق) أو( الضمير) الذي أصبح قوة اجتماعية لها تأثيرها في حياة البشر منذ مدة لا تزيد علي خمسة آلاف سنة.. وبذلك أسهم المصريون القدماء في أحداث تحول كبير في الحياة الإنسانية.. تحول من حالة( التوحش) إلي حالة( الإنسانية) حيث بدأ الإنسان حياته متوحشا مجردا من الأخلاق ثم تحول بفضل المصريين الذين اكتشفوا أهمية الأخلاق.. أي يكون للإنسان وازع خلقي يعصمه من أن يظلم أو يعتدي أو يأخذ ما ليس من حقه.. ويدفعه إلي أن يكون صادقا أمينا.. سمحا.. كريما.. مهذبا في تعامله مع غيره.. لقد اكتشف المصريون ذلك.. قبل أن تنزل( الوصايا العشر) علي سيدنا موسي بألف سنة...حسب ما قرره بعض الباحثين في تاريخ الحضارة المصرية القديمة..( انظر: فجر الضمير لهنري برستد.. ترجمة سليم حسن سلسلة الألف كتاب رقم1088 نشرمكتبة مصر بالفجالة). .. فمصر في نظره( يقصد هنري برستد) حسب الوثائق التاريخية التي وصلتنا عن العالم القديم إلي الآن.. هي مهد حضارة العالم وعن هذه الحضارة أخذ العبرانيون ونقل الأوربيون عن العبرانيين حضارتهم.. وبذلك أظهر برستد للعالم أجمع بأن المصدر الأصلي لكل حضارات الإنسانية هي مصرنا العزيزة.. وإذا كان المصريون القدماء قد اكتشفوا أهمية( الأخلاق) التي تعتبر بمثابة كفاح بين الإنسان ونفسه الباطنة, يقابل كفاحه مع المادة وقوي الطبيعة. وإذا استحضرنا أن مهمة النبي محمد صلي الله عليه وسلم هي أن يتمم مكارم الأخلاق مثلما قال عن نفسه:( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)... فإن الأمة التي ستكون أكثر تجاوبا من غيرها مع دعوته هي بلا شك الأمة التي اهتدت بفطرتها إلي أهمية الأخلاق.. وهي الأمة المصرية.. التي كانت بحكم التاريخ مؤهلة لإظهار جوهر الإسلام الذي قدم للبشرية ما كان ينقصها وهو عنصر الأخلاق. وإذا تبين للناس جميعا اليوم أن معيار التقدم الحضاري لا يقاس بالتقدم المادي.. وإنما بالتقدم الأخلاقي الذي يعلي من شأن القيم الإنسانية التي تجعل الحياة أكثر أمنا وسلاما واستقرارا.. فإن الدور المصري في عالم اليوم ينبغي أن يتجه إلي المكانة التي تليق به وهو مكان الريادة الحضارية بتقديم نموذج حضاري ينشر الأخلاق السامية والمبادئ الصالحة التي تحمي الحقوق وتنشر العدل والسلام وإذا وضع قدماء المصريين حجر الأساس لبناء أخلاقي نقل البشرية نقلة نوعية.. فإن المصريين المحدثين ينبغي عليهم أن يكملوا ما صنع آباؤهم وأجدادهم.. والطريق إلي ذلك يبدأ بأن يشعروا بعظمة بلادهم وما كان لها من تاريخ مجيد وماض عريق.. ولذلك حديث آخر.. إن شاء الله