من أسرة واحدة.. إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي بالإسماعيلية    التمثيل العمالي بجدة يبحث مطالب 250 عاملًا مصريًا بشركة مقاولات    إعلام غزة الحكومى: 44% من الشهداء فى مناطق يدعى الاحتلال أنها "إنسانية آمنة"    الهولندي أرت لانجيلير مديرًا فنيًّا لقطاع الناشئين في الأهلي    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    بعد سرقتها وصهرها وبيعها للصاغة.. 5 معلومات عن إسورة الملك أمنمؤوبي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    مصر والسودان تبحثان تنفيذ المرحلة الثانية من خط الربط الكهربائي    مذكرة تفاهم مصرية يابانية لتصنيع محطات إنتاج المياه من الهواء    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    إقامة 21 معرض «أهلا مدارس» في المنوفية.. وحملات رقابية لضبط المخالفات (تفاصيل)    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    نائب محافظ الجيزة يلتقى مستثمرى المنطقة الصناعية لبحث المشاكل والتحديات    توزيع 100 شنطة مدرسية لذوي الهمم بالأقصر    النائب محمد أبو النصر: زيارة ملك إسبانيا تمثل دفعة قوية للاستثمار والسياحة في مصر    رغم الحرب والحصار.. فلسطين تطلق رؤيتها نحو المستقبل 2050    دخول 103 شاحنات مساعدات عبر معبر رفح البري لإغاثة أهالي قطاع غزة    موعد بدء الدراسة بجامعة عين شمس الأهلية    الخطيب يحدد ملامح قائمته حال الترشح في انتخابات الأهلي    الإسبانى أوسكار مديرًا فنيًا لسلة للاتحاد السكندرى    مشاهدة مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد اليوم في دوري أبطال أوروبا عبر القنوات الناقلة    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    المقاولون العرب يكشف عن هوية المدرب المؤقت بعد رحيل محمد مكي    إدارة الصف التعليمية: أنهينا كافة أعمال الصيانة ومستعدون لاستقبال العام الدراسي الجديد    ضبط 280 كيلو لحوم فاسدة بأختام مزوّرة في حملة للطب البيطري بسوهاج    تجديد حبس البلوجر أم سجدة 45 يوما في اتهامها بغسل أموال متحصلة من محتوى خادش    أمطار ورياح.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس غدا: «اتخذوا كافة التدابير»    تأجيل نظر تجديد حبس "علياء قمرون" بتهمة خدش الحياء العام ل 20 سبتمبر    سحب 961 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    قبل انتخابات النواب.. الهيئة الوطنية تتيح خدمة مجانية للاستعلام عن الناخبين    الكشف عن ميناء أثري مغمور بالمياه في الإسكندرية    ماستر كلاس للناقد السينمائي رامي عبد الرازق ضمن فعاليات مهرجان ميدفست مصر    هدى المفتي تخطف الأنظار بإطلالة مختلفة من كواليس إعلانها الجديد    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    استمتع بصلواتك مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ البحيرة: افتتاح 5 مشروعات طبية جديدة بتكلفة 84 مليون جنيه تزامنا مع العيد القومي للمحافظة    فيديو.. وزير الصحة: جامعة الجلالة أنشئت في وقت قياسي وبتكليف رئاسي مباشر    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    فى حوار له مع باريس ريفيو فلاديمير سوروكين: نغمة الصفحة الأولى مفتتح سيمفونية    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    مفوضية اللاجئين ترحب بخارطة طريق لحل أزمة السويداء وتؤكد دعم النازحين    الاحتلال الاسرائيلى يقتحم عدة مناطق فى محافظة بيت لحم    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    نائب وزير الصحة تتفقد وحدة طب الأسرة ومركز تنمية الأسرة بقرية بخانس بقنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
البروفيسور.. مكان جيمس هنري برستد
نشر في الأخبار يوم 26 - 08 - 2014

«كثيراً ما كنت أمر أمام هذا المقر الجميل في الأقصر وأسأل نفسي: ما العلاقة بين شيكاغو وهذا البيت، لماذا يسمي ببيت شيكاغو؟..»
شخصيتان تنتميان إلي جامعة شيكاغو سعدت بوجودي في المجال الذي ارتبطا به وعاشا فيه، الأول معروف للمثقفين في مصر، جيمس هنري برستد، أحد أعظم علماء المصريات في العالم عُرف في مصر عندما قررت وزارة المعارف العمومية في الثلاثينيات تدريس كتابه الذي صدر عام 1905 وترجم إلي العربية «تاريخ مصر القديم» علي طلاب المدارس الثانوية، وأحتفظ بنسخة أصلية من هذا السفر القيم الذي كان يعتبر وقت صدوره من أدق ما كُتب في تاريخ مصر حتي وقت صدوره، وفي عام 1955 ترجم الدكتور سليم حسن كتابه الذي بصرنا بروح مصر القديمة المفتري عليها نتيجة انتصار الرؤية التوراتية في التاريخ وسيادة رؤيتها السلبية لمصر وهذه مشكلة ثقافية عميقة تشكل شرخاً في الشخصية المصرية وتحتاج إلي جهد كبير لتصحيح المفاهيم، أهم منطلق في هذا التصحيح هو الحقيقة المؤكدة من خلال النصوص والآثار، أن المصريين القدماء لم يكونوا وثنيين، إنما كانوا يؤمنون بإله خالق للوجود، وأن الفرعون لم يكن طاغية علي الإطلاق، إنما كان رأساً للدولة، والفرعون المذكور في القرآن الكريم هو فرعون واحد فقط وليس الفرعون علي إطلاقه، كلمة فرعون تعني (البيت الكبير) أي رمز السلطة، كما نقول الآن «البيت الأبيض» ونعني بذلك رئيس الولايات المتحدة، «فجر الضمير» كتاب يجب أن يقرر علي المدارس الثانوية حتي يعرف النشء حقيقة الحضارة التي ينتمون إليها. لبرستد كتاب آخر عن الديانة المصرية القديمة وترجمه إلي العربية الدكتور زكي سوس، صدر عن دار الكرنك عام 1961، ويعتبر من الكتب الرائعة في فهم وشرح العقيدة المصرية القديمة والتي خرجت منها العقائد التالية لها التي ظهرت في الشرق كله، قال أندريه مالرو أديب فرنسا العظيم إن مصر هي التي اخترعت الأبدية، مشيراً إلي رفض المصريين لفكرة العدم النهائي، واعتبارهم أن الحياة جسر يعبر، وأن الموت بوابة لطريق لا نهائي يبدأه الإنسان بعد الحساب في المحكمة الأوزيرية، بعدها إما أن يمضي إلي حقول يارو أي الجنة في مفهوم المصريين القدماء أو إلي الجحيم، من الكتب الرائدة في العقيدة المصرية «الديانة المصرية القديمة» لأدولف أرمان، صدر عام 1904 في ألمانيا وترجم إلي العربية عام 1955 في مشروع الألف كتاب الذي أسسه طه حسين، لقد ظهرت حقائق عديدة عن مصر وعقائدها وتاريخها ويعتبر العالمان الألمانيان أريك هورننج، ويان اسمان، من أعظم علماء المصريات المتخصصين في الديانة المصرية القديمة، قرأت لهورننج كتبه المترجمة إلي اللغة العربية مثل «أفق الأبدية» عن عقيدة العالم الآخر، و«الوحدانية والتعدد» في الفكر المصري القديم، وأسهمت في التعريف بكتاب رائع نشر في أخبار الأدب مسلسلاً عندما دفعت به إلي المترجم القدير حسن حسين شكري ليترجمه من الانجليزية وصدر في مشروع الألف كتاب الثاني من الهيئة العامة للكتاب، أما يان اسمان فقد ترجم إلي العربية عدد من مؤلفاته، منها «ماعت» رمز الحق والعدل، و«مصر القديمة» الذي طبع في دار الجمل، وعن نفس الدار أيضاً صدر «التمييز الموسوي» بترجمة ويعتبر من أهم ما قرأت لأنه يفسر مسئولية الديانة الموسوية في اعتبار مصر القديمة وثنية، ورغم أنني حساس جداً فيما يتعلق بذكر ديانات الأشخاص إلا أنه لابد من الإشارة إلي يان اسمان وجيمس برستد، فكل منهما أنصف العقيدة المصرية والحضارة المصرية التي انبثقت عنها رغم معتقدهما الإيماني «اليهودية» لقد كانا عالمين جليلين متجددين، لا أعرف مثيلاً لهما في علماء المصريات من المصريين، صحيح هناك أسماء جليلة ونزيهة مثل محرم كمال وسليم حسن وجودت جبرة وأحمد فخري وعلي رضوان وجاب الله علي جاب الله وعبدالمنعم عبدالحليم وعبدالحليم نور الدين، لكن يظل دور علماء المصريات الأجانب أهم وأعمق، رغم ظهور مدرسة مصرية ماتزال في طور التكوين والنشوء، لأن رؤية الحضارة المصرية من داخلها أمر مختلف، لجيمس هنري برستد مؤلفات عديدة لم تترجم بعد من الانجليزية، وأثمن ما عدت به من شيكاغو كتاب نادر طُبع عام 1948 عن الخدم في مصر القديمة وقد عثرت عليه في مكتبة متخصصة في بيع الكتب المستعملة، تقع في نطاق الجامعة وقرب البيت الذي نزلت فيه، وكتاب آخر عن برستد نفسه، ترجمة لحياته كتبها «جفري أبت» وصدرت العام الماضي قبل وصولي بشهور، لم أتردد في شراء نسخة عندما لمحته معروضاً في المكتبة الملحقة بمتحف الحضارة الشرقية الذي أسسه وأنشأه برستد، في مبني القاعة الشرقية والذي يوجد فيه مكتبه وغرفة التدريس التي كان يُلقي فيها دروسه، والتي خصصت لي لكي ألقي فيها دروس شيكاغو، من هو برستد إذن وماذا يعني عندي؟
برستد
خلال المرحلة الطويلة مع البشر والكتب، علمتني التجربة أن ثمة صلات عميقة تقوم بيننا وبين الذين لم نلتق بهم ويفصلنا عنهم قرون عديدة، صلة من خلال النصوص، ذلك أن الإنسان يكون في جوهره من خلال ما يكتبه، إذا أتيحت الفرصة لمعرفته نصاً وشخصاً، كما جري لحسن حظي مع نجيب محفوظ، فيا للسعادة أما أولئك الذين عرفناهم من خلال كتبهم وآرائهم فما أقربهم بالنص، بما نضمنه من زفرات ورسائل مبثوثة، جيمس هنري برستد أنصف حضارة الأمة التي أنتمي إليها، أول حضارة في تاريخ الإنسانية، ولكم ظلمت هذه الحضارة حتي إن من حماها ورعاها وأقام العدل أصبح رمزاً للطغيان بسبب سوء الفهم، عندما وُلد برستد عام 1865 لم يكن هناك علم للمصريات في الولايات المتحدة، كانت فرنسا هي مركز علم المصريات بعدها ألمانيا، بدأ برستد تعليمه في كلية الصيدلة، وكان قد وُلد لأبوين هما شارلز وهاريت برستد، أنجبا أربعة أطفال ترتيبه الثالث بينهم، كان نشيطاً ذكياً، يهوي الصيد والرحلات الخلوية ولعبة البيسبول الكرة الأمريكية كان والده تاجراً ناجحاً ويمتلك معرضاً في وسط مدينة شيكاغو، غير أن برستد كان قد قرأ العهد القديم وأثار خياله ما عرفه من أحداث في مصر وبين النهرين، بدأ يتعلم اللغة العبرية، ثم بدأ يهتم بتاريخ مصر وحصل علي درجة علمية من جامعة ييل، إلا أن علم المصريات في الجامعات الأمريكية لم يرو ظمأه إلي معرفة تفاصيل هذه الحضارة، حصل علي منحة دراسية واتجه إلي ألمانيا للدراسة، وتتلمذ لواحد من أكبر علماء المصريات في التاريخ، أدولف أرمان وقد منحه درجة الدكتوراه في المصريات، حتي وجوده في ألمانيا لم يكن قد لمس أرض مصر، ولكن بعد زواجه جاء إليها ليمضي شهر العسل، كان ذلك عام 1894، بالطبع أستطيع تخيل حالته الروحية عندما لمس تراب البلد الذي عرف حضارته القديمة عبر النصوص والمراجع، عاد إلي الولايات المتحدة ليعمل بوظيفة إدارية بمتحف هاسكل Haskl للآثار الشرقية التابع لجامعة شيكاغو، تدرج في العمل الإداري ولم يتوقف عن البحث، أصبح أول أستاذ أكاديمي لعلم المصريات، شغل أول كرسي ينشأ في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا يعتبر أول أستاذ للمصريات ومؤسس العلم بمصر في أمريكا، كان مجال تخصصه النصوص القديمة، ولذلك عندما شرع العلماء الألمان في وضع قاموس برلين للغة المصرية القديمة والذي مازال مرجعاً أساسياً، بل الأول في العالم، استدعاه الألمان وكلفوه بنسخ النصوص المكتوبة والمحفوظة في جميع متاحف أوروبا، وقد أنجز المهمة بدقة، خلال هذه المرحلة قرر أن يرحل إلي مصر فلن تكتمل دراسته إلا إذا زار النبع الأصلي، خاصة أن آلاف النصوص منتشرة في مصر، هذا العمل العظيم الذي قام به لاستنساخ النصوص المصرية قام به وأصدره بالانجليزية وبعد حوالي مائة عام أقدم مجموعة من المثقفين المصريين من غير المتخصصين في المصريات علي ترجمته إلي العربية في خمسة مجلدات ضخمة وقد أشرت إليه في حينه، ترجمه أحمد محمود وراجعه الأستاذ الجليل جاب الله علي جاب الله رحمه الله وتشكلت هيئة النشر من رضا الطويل مشرفاً عاماً، وكمال رمزي الناقد السينمائي المعروف ورفعت السيد علي ومحمود الطويل وخالد الشلودي، لقد أنجزوا عملاً رائعاً عجزت عن مثله مؤسسات وزارتي الثقافة والآثار والأخيرة كان إنشاؤها نكبة علي الآثار من خلال التجربة العملية والمستمرة حتي الآن ولهذا حديث طويل أبسطه فيما بعد، وقد أصدر المشروع عدة كتب مهمة غير أنه في حدود متابعتي توقف الآن، عاد برستد إلي أمريكا، بعد توقف الحرب العالمية الأولي، استطاع إقناع روكفلر الملياردير الأمريكي بإنشاء المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو، وهذا هو المبني الذي أقيم فيه الاحتفال التذكاري لتأبين الدكتور فاروق عبدالوهاب، وفيه جلست في غرفة برستد للتدريس، في الطابق الأول متحف يضم آثاراً من وادي النيل ومن بين النهرين، ومكتبة متخصصة في المصريات، اقتنيت منها ذلك الكتاب الضخم عن جيمس برستد، وفي حدود ما أعلم يعتبر الترجمة الوحيدة الدقيقة لحياته وإنجازه العلمي، في المتاحف، في المعاهد العلمية، في المستشفيات أقابل أسماء أفراد عائلة روكفلر، نموذج للدور الاجتماعي الذي يمكن أن يقوم به الرأسماليون في إطار نظام حقيقي له أصوله وقواعده وهذا ما نفتقده حتي الآن في مصر، يقول برستد عن الهدف من إنشاء هذا المركز:
«.. لكي يساهم في فهم الحياة الإنسانية عن طريق مسيرة التطور ومراحلها العديدة التي وصلت بنا إلي ما نحن عليه الآن، وتحفزنا هذه الغاية إلي الكشف عن دور حضارات الشرق الأدني المفقودة وهي الحضارات التي أرست أسس حضارة الغرب»..هذا المعهد الذي أسسه برستد في أمريكا يعتبر الآن أحد أهم مراكز دراسة التاريخ المصري في العالم، غير أن برستد أسس معهداً مهماً في مصر أيضاً.
بيت شيكاغو
منذ أن بدأ ترددي علي الأقصر عام 1960 وأنا أمر بمبني اسمه «بيت شيكاغو» معروف وله شهرة في المنطقة، كثيراً ما كنت أسأل نفسي: ما علاقة شيكاغو بالأقصر؟، لم أسأل ولم ينشأ ظرف يؤهل لدخوله أو للاستفسار عن إنشائه ومعرفة حقيقة عمله، إلي أن عرفت صلة برستد به فهو الذي أنشأه، عندما جاء إلي مصر عام 1924 بعد إنشائه لقسم في جامعة شيكاغو متخصص في نسخ الرسوم والكتابات الموجودة في المعابد الكبري والمراقد الأبدية بمنطقة الأقصر مع استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لتحقيق هذه الغاية، بعد أن بدأ القسم عمله في شيكاغو، جاء إلي مصر، بمنحة من روكفلر أيضاً، وفي عام 1931 أنشأ علي البر الشرقي معهداً أصبح معروفاً «بيت شيكاغو» قريباً من معهد الكرنك، ومن خلاله تتم جميع الأعمال العلمية في المنطقة، ويحتوي علي أماكن للإقامة ومكاتب ومراسم ومعامل تصوير ومخازن وورش، كما أنه يضم مكتبة نادرة ربما تكون الأغني في المصريات، وأتمني ألا يكون الإهمال قد امتد إليها كما جري في المكتبات المصرية التي تولاها موظفون معظمهم منعدمو الضمائر للأسف، لبيت شيكاغو مطبوعات مهمة منها وصف دقيق لمعبد هابو الذي بناه رمسيس الثالث ومعبد الكرنك وبعض مقابر البر الغربي، أشير هنا إلي مطبوعات المعهد الفرنسي بالمنيرة المعروف بالفاو، وقد قام العلماء فيه بنسخ جميع اللوحات والنصوص الموجودة في معبد، ولو أن في مصر حركة ثقافية حقيقية لتم ترجمة ما أنجزه برستد، والعلماء الفرنسيون وترجمة ما قدموه خدمة للحضارة المصرية من داخل مصر، من الأقصر وقنا وسوهاج وسائر المواقع، كتب المعهد الفرنسي تباع في المعهد الفرنسي بالمنيرة، ولكن لم يتم مشروع لذلك، أما ما يصدر في عواصم العالم فلن أتحدث عنه، لقد كنت أقف يومياً في المكتبة الملحقة بالمتحف المصري وأتأمل العناوين الرائعة للأبحاث المنجزة وأتمني لو اشتريتها كلها وأهديتها إلي المركز القومي للترجمة لكي ينجز ترجمتها، لكن كيف أنقل هذا كله، وإذا كان ذلك ممكنا لأن مصر للطيران قد تجاملني في بعض الوزن، فالأمر مستحيل في الطيران الداخلي الأمريكي الذي يحاسب الراكب علي أي جرام زائد عن الوزن المقرر عشرين كيلو جراماً اخترت هذا الكتاب الضخم يقع في حوالي ستمائة صفحة عن سيرة حياة برستد الذي توفي عام 1935 ودفن في مقابر جرين وود، روكفورد، ايلو نوي، علي بعد ثمانية أميال جنوب مدينة شيكاغو، مكان جميل جداً، غابة خضراء فسيحة يتوسطها حجر من جرانيت أسوان الوردي الذي نحتت منه المسلات الشهيرة، تحتها ترقد قارورة تحوي الرماد المتخلف عن جثمان جيمس هنري برستد الذي أوصي بحرق جسده، مكتوب عليها بالانجليزية ما ترجمته:
تحت حجر الجرانيت الأسواني المصري
يرقد رماد جيمس هنري برستد
المؤرخ
عالم المصريات والحفريات
وُلد في روكفورد إلينوي
27 أغسطس 1865
توفي في مدينة نيويورك
2 ديسمبر 1935
إلي الحجر الأسواني ذهبت، وقفت خاشعاً في الغابة وأديت التحية..
لماذا برستد؟
جيمس هنري برستد أول عالم مصريات يكشف المضمون الروحي الكوني العميق للحضارة المصرية القديمة، اكتشف من خلال دراسته للنصوص أن المصريين أول من أسس لفكرة الضمير، وأن عقيدتهم كانت تدور حول إله واحد له تجليات عديدة، ومن خلال النصوص أثبت ان الدين المصري كان أساسا للديانات التالية، قسم صفحة لكتاب في «فجر الضمير» إلي نصفين، اناشيد اخناتون في ناحية ومزامير داود في الناحية الأخري، الثانية تتطابق مع الأولي ولست في حاجة إلي القول بأسبقية النصوص المصرية فتلك حقيقة علمية وتاريخية، في فجر الضمير أورد نصوصا من حكم المفكر المصري «امينوبي» الذي يعتبر من أقدم الحكماء في تاريخ الإنسانية، وأورد نصوصا من سفر الأمثال في التوراة الذي يحمل القيم الأخلاقية للديانة الموسوية، وإنني أورد بعض أجزاء المقارنة التي أجراها برستد متوالية وليست متقابلة لأن ظروف الطبع في الجريدة لا تسمح.
يقول امينوبي الحكيم:
«أمل أذنيك لتسمع أقوالي
وأعكف قلبك علي فهمها
لأنه شيء مفيد إذا وضعتها في قلبك
ولكن الويل لمن يتعداها»
ويورد برستد ما جاء في سفر الأمثال العبراني:
«أمل أذنيك واسمع كلام الحكماء
ووجه قلبك لمعرفتي
كأنه حسن ان حفظتها في جوفك
إن ثبتت جميعا علي شفتيك..»
«سفر الأمثال: 22- 17 18»
قال امينوبي المصري:
«لا تزحزحن علامات حدود الحقول
ولا تكونن شرها من أجل ذراع
أرضي ولا تتعدين علي حدود أرملة
«امينوبي 7، 12 15»
جاء في سفر الأمثال العبراني:
«لا تنقل التخم القديم. ولا تدخل حقول الأيتام..»
سفر الأمثال 23 : 10
قال امينوبي المصري:
«الفقر في يد الله خير
من الغني في المخازن
وأرغفة تحصل عليها بقلب فرح
خير من ثروة تحصل عليها في تعاسة»
«امينوبي 9 : 5 - 8»
جاء في سفر الأمثال العبراني
القليل من مخافة الرب خير
من كنز عظيم مع هم
أكلة من البقول حيث تكون المحبة
خير من ثور معلوف ومعه بغضة
«ترجمة سليم حسن في فجر الضمير»
هكذا، كنت عامراً بذكري برستد عندما اتجهت يوم الاثنين الحادي عشر من سبتمبر إلي القاعة الشرقية، إلي الطابق الثاني فوق المتحف المصري حيث الحجرة التي اعتاد برستد التدريس فيها، تقع في مواجهة المصعد، كان البروفيسور مايكل سيلز ينتظرني، مجموعة من طلاب الدراسات العليا يبلغ عددهم حوالي أربعة عشر، سبورة ضخمة خضراء اللون في صدارة القاعة الصغيرة. بدأ مايكل بتقديمي إلي الطلبة، ثم استأذن منصرفا وبدأت حديثي الأول إليهم معرفا بي وبمن أكون وكيف كانت رحلتي الطويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.